تكاد موضوعة الحرب ، بسبب تكرارها في السينما العالمية واغلب الفنون الإبداعيةالأخرى ، تعد موضوعة مستهلكة ، رغم تفاوت طرق تناولها ، فقد ابدع فيها كبار المخرجين بدءا من السينما السوفياتية التي قدمت لنا الكثير من النماذج حيثتعرضت كثير من الأفلام الروسية ا
تكاد موضوعة الحرب ، بسبب تكرارها في السينما العالمية واغلب الفنون الإبداعيةالأخرى ، تعد موضوعة مستهلكة ، رغم تفاوت طرق تناولها ، فقد ابدع فيها كبار المخرجين بدءا من السينما السوفياتية التي قدمت لنا الكثير من النماذج حيثتعرضت كثير من الأفلام الروسية الى موضوعة الحرب ، حتى أصبحت هذه الصفة لاصقة بها لفترة طويلة ، وذلك لما عانته روسيا من أهوالهاوفظائعها ، وكانت اغلب أفلام الحرب في فترة حكم ستالين تصور استبسال الجيش الروسي ضد النازيين ، وتمجد البطولات الخارقة لرجاله وقدراتهم على النضال . وانتهت هذه المرحلة بانتهاء حكم ستالين ، لكن ظهرت مرحلة جديدة تعرف ( بذوبان الجليد ) نسبة الى قصة شهيرة للكاتب الروسي ( ايليااهرنبرغ ) بنفس الاسم وترمز الى ذوبان جليد مرحلة ستالين . وفي مرحلة ذوبان الجليد ظهرت افلام جديدة عن الحرب ، لاتهتم بتصوير المعارك وتمجيد قصص البطولة ، وانما تهتم بالمشاكل الإنسانية والاجتماعية خلال فترة الحرب ، وتصبح الحرب خلفية لمواضيع هذه الافلام ويقفز التحليل النفسي والاجتماعي في المقدمة ،فضلا عن السينما الامريكيةوالفرنسية والايطالية ، حيث تتحول الحرب الى مجرد خلفية لموضوعات إنسانية كبيرة ،وبهذا تكون السينما قد عبرت محدودية محتوى الحرب رغم سعته ، ففي الحرب تجري اكثر القصص غرابة وسعة وعمقا ..فهناك افلام كبيرة تناولت الحرب كخلفية وطرحت مواضيع تناولت الإنسان عبر اقدس المشاعر ، بدءا من الحب والشعر والفن ، التضحية والإيثار وتعدد الرموز والاغراضالإنسانيةالأخرى وهذا مافعله الفيلم الصيني ( زهور الحرب ) لمخرجه الصيني تشانغ بي الذي نافس على اكثر من 13 جائزة في مهرجان جوائز الأكاديميةالأميركيةلولا انه واجه معاملة غير عادلة بسبب الضغوط اليابانية داخل امريكا ، وربما كما يقال في التقارير ان السبب هو ان المجتمع الغربي لديه الكثير من الشكوك حول نتائج مذبحة ( نانجيج) العاصمة السابقة للصين والتي تدور أحداث الفيلم حولها ، وكما ذكرت ان عدد ضحاياها مئات الآلاف من رجال ونساء واطفال ، .. ويتناول الانتهاكات التي تعرض لها الشعب الصيني ابان الحرب الصينية اليابانية عام 1937 ... يبدأ الفيلم حينما يصل حانوتي امريكي مرسل ليدفن قس كاتدرائية عدت منطقة محظورة من الجميع ، فلا يصلها الصينيون او اليابانيون .. الحرب تدور حول الكاتدرائية .. وهناك علامة تؤكد حيادية المكان ، وسط الدخان وغبار الحرب الطاحنة التي تدور يصل الدفان يؤدي دوره الممثل ( كريستيان بيل ) يصطدم بالراهبات الصغيرات وحارسهم الصبي الصغير ، يطالب باجوره رغم انه وجد ان جثة القس قد تطايرت بفعل قنبلة ، وحينما لايجد مايريد يبحث عن الشراب فيجد الكثير من قناني النبيذ ، وفي أوج تصاعد المعارك حول الكاتدرائية تلجأ اثنتا عشر من فتيات الهوى ، هربن من الاعتداءات عليهن الى الكاتدرائية ، فيحتمين بالكنيسة ، وبعد ان يصحو من سكرته ، لايجدامامه ملابس غير ملابس القس فيرتديها ، ويدافع عن الفتيات بصفته قسا امام الجنود الذين حاولوا اغتصابهن ، فينجح حتى دخول ضابط الوحدة الياباني . الذي يقدم اعتذاره ، ويقدم مقترح بان تقام حفلة للبنات خارج الكاتدرائية .. ويؤكد انها حفلة موسيقية ، يكتشف القس المزيف الامر , فيمتنع ، يصرخ في وجه الضابط ، باستحالة أن يرسل الفتيات الصغيرات من اجل اقامة حفلة السبي ،ولايرد الضابط بشيء سوى ان عليه انيهيئثلاث عشرة فتاة هن كل الطالبات صباحا، ستأتي سيارات الجيش لاخذهن ، وتتاح له فرصة الخلاص حينما يلتقي بأحد معارفه الذي يدعوه لركوب مركب الخلاص ، لكنه بدأ يدرك انه بات مسؤولا عن خلاص فتيات الكنيسة الصغيرات وضرورة انقاذهن من الاغتصاب الجماعي الذي تعد له القوات اليابانية ، حتى اللحظة التي تقدم فيه بنات الهوى حلا ، يراه معقولا او وحيدا لانقاذ فتيات الكنيسة الصغيرات ، يقترحن بأن يذهبن مكان الراهبات .. من هنا يتصاعد الايقاعالإنساني في الفيلم ، عبر لقطات معبرة ، فيستعين بأحد الجواسيس ليجلب له ادوات احتياطية لاصلاح عجلة قديمة موضوعة في فناء الكنيسة ، لغرض تنفيذ خطته لانقاذ الفتيات .. حينما تأتي سيارات الجند اليابانية ، تركب العاهرات مكان الطالبات اللواتي بقين مختفيات في قبو الكاتدرائية ، بينما يقدمن العاهرات انفسهن بدائل عن راهبات صغيرات .. وتعد هذه العلاقة الإنسانية الجميلة التي تنامت بين العاهرات والطالبات من اجمل ثيم الفيلم فضلا عن القدرة المذهلة للمخرج في تصوير المعارك بلقطات الكلوز السريعة المتنقلة بين حطام المدينة ، ينجح في اصلاح السيارة وتدويرها ليخفي في حوضها الطالبات تحت صناديق النبيذ التي يقدمها كرشوة امام الحواجز اليابانية .. قلت ان الفيلم نافس على 13 جائزة ، وهو يستحق ذلك حقا ، علما ان الميزانية التقديرية التي صرفت عليه فاقت 90 مليون دولار امريكي ، وتاريخيا كانت المعركة التي دارت حول الكاتدرائية والتي سميت فيما بعد بمذبحة نانجينج نسبة الى المدينة التي دارت فيها المعارك ، يؤكد سيناريو الفيلم المأخوذ من قصة للصيني (خلينج يان) بعنوان ( 13 زهرة من اجل نانجينج) على ان الحقيقة احيانا تكون اخر مانود سماعه ، وكذلك يؤكد بجمالية مذهلة ان الحياة هبة مقدسة ، يمكن ان نقدمها من اجل شيء مقدس .. ولااكثر قداسة من الحب ...
فيلم زهور الحرب من الأفلام التي تستحق المشاهدة ، لايقاعه السريع والجميل الذي ابعدنا عن الملل ، وبقينا مشدودين اليه طوال اكثر من ساعتين ......وتعد الصين ثالث اكبر صناعة سينما في العالم ، وسجلت في السنوات الخمس الاخيرة نموا سريعا في ايراداتالافلام ، ووصل انتاجهاالى مايقارب 850 فيلما في العام ، وفي عام 2011 حققت الافلام الصينية 54% من ايرادات شباك التذاكر في امريكا الشمالية ، وتغلب على افلامها ميزة وسحر الاساليبالاخراجية المبتكرة التي تقوم على واقعية مؤثرة مع سحر التكنولوجيا وعناصر الابهار البصرية الاخرى .