-3-
باعتبار التاريخ (خطاب مقنع) حسب ما يشير كريستيان ميتز كما اسلفنا .. فلا يمكن لنا هنا ان نتلمس إشارات إيضاحه ذلك انه يتنكر بشكل قصة، هذا يتيح لنا لا النظر فقط بل المشاركة والحضور . بهذه الطريقة يطرح ميتز فكرة " ايدلوجية " : الأفلام والمشاهدين يتقاسمون ايدلوجية مشتركة ؛ هذا التقاسم يدعم أساس السينما . وهي ايدلوجية تحدد بنية فكرة المشاهدة ، شيء يبقينا على مقربة من وضع أناني لا يمكن تبريره ، تلصصي إنما سارّ.
وعلاقة التاريخ مع السينما تبدأ من حيث بدأت صناعة الفيلم ، وهي ملتبسة منذ فجر هذه الصناعة وتطرح إشكالية تناول التاريخ وقراءة الوثيقة التاريخية بصريا.
وبالطبع اختلفت معالجة موضوعات التاريخ وخاصة القريب، باختلاف وعي صناع هذه الأفلام للوثيقة التاريخية وللتاريخ نفسه.. وأيضاً باختلاف قراءة المتلقي لهذه الأعمال.. وهو الأمر الذي جعل من الوثيقة التاريخية، أسيرة منهج السينمائي في عملية تمثل التاريخ مشروعاً بمجمل الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأيضاً بوعيه الثقافي. ولعل الإشكالية الأكبر في هذا المجال، هي تلك التي تجلت في سير بعض الشخصيات التاريخية، خاصة تلك التي لعبت أدواراً مفصلية في التاريخ، ذلك إن مثل هذه الشخصيات مارست فعلاً تاريخياً، كان له مؤيدوه مثل ما كان له معارضوه ..ولسنا هنا بصدد الحديث عن هذه الشخصيات، التي قاربت السينما سيرتها الحياتية.. ولكن خبر اعتزام بوليوود وهي اكبر معقل للإنتاج السينمائي في العالم، وإنتاج فيلم سينمائي عن حياة دكتاتور العراق صدام حسين.. يؤكد ما ذهبنا إليه في بداية هذا العمود. وكان يمكن ان ننتظر إنتاج هذا الفيلم ثم عرضه، لنحكم على الأسلوب الذي اتبعه صناعه في معالجة هذه السيرة، لكن تصريحات الممثل الهندي المعروف اكبر خان لصحيفة.. (مومباي ميرور) تحيلنا إلى المنهج الذي سيتبعه صناع هذا الفيلم في تناول سيرة الدكتاتور، وهو منهج ينأى عن الموضوعية، خاصة مع تصريح اكبر خان للصحيفة نفسها من انه (اعتبر الرئيس العراقي بطلاً، لأنه وقف بوجه سياسية أمريكا).. بينما تستبق الصحيفة نفسها إنجاز الفيلم لتقول (انه سيبرز الجوانب المشرقة والإيجابية في حياة صدام حسين)، وهي هنا ربما تشير إلى موقف الهند التي كانت في مقدمة الدول التي دانت إعدامه عام 2006، أو بسبب نصرته لها في قضية كشمير.. التاريخ هنا إذن يعالج بقصدية واضحة، وهي بلاشك تعبر عن انحياز مسبق لمواقف هذه الشخصية.. وهو ما سيفرغ هذه المعالجة البصرية للتاريخ من صدقيتها.. ونحن هنا نشير الى الإجماع على كارثية حكم هذا الدكتاتور وما سببه من أذىً لوطنه وشعبه.. ولعل شخصية مثل شخصية هتلر.. كانت موضوعاً مفضلا للكثير من الأفلام السينمائية على مدى اكثر من ستة عقود من الزمن.. لكن السينما اقتربت من هذه الشخصية بوصفها شخصية جرت العالم الى ويلات وكوارث ما زالت آثارها ماثلة للعيان حتى الآن.. والاختلاف في هذه المعالجات لم يتعد حدود التفاصيل الصغيرة في سيرته والتي تستهوي الجمهور من جهة إشباع رغبته في معرفة هذه الشخصية.. لكن الفيلم الأخير السقوط (Downfall) وهو فيلم ألماني أخرجه اوليفر هير شبيخل عن مذكرات سكرتيرة هتلر (تروديل جانغ) عالج هذه السيرة من وجهة نظر مختلفة.. فالفيلم على الرغم من المسحة الإنسانية لأحداثه والتي تجعلك في لحظة ما تتعاطف مع هذا الوحش البشري، إلا انه لم يستطع الفكاك من حقيقة انها شخصية مدمرة وعدوانية قادت العالم إلى الهاوية.. ومن هنا فإن فيلم بوليوود الأخير لا يستطيع ان يمارس دور الحاجب لتاريخ هو اقرب الينا من حبل الوريد.. إلا اذا كان هذا الحاجب مثل غربال.
السيرة في السينما
[post-views]
نشر في: 29 مايو, 2013: 10:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...