رغم أن الدستور العراقي، بغض النظر عما يقال حول ثغرات فيه، بحث بالتفصيل مسألة الحق بإقامة أقاليم ضمن العراق الفيدرالي، ووضع لذلك أسساً واضحةً، لا لبس فيها ولا غموض، فإن بعض المسؤولين يعتبر أن مجرد تفكير البعض بإقامة إقليم، هو إشارة إلى الرغبة بالانفصال عن الدولة، وتفتيت العراق، صحيح أن البعض يلوح بإقامة إقليم هنا أو هناك، للضغط على الحكومة المركزية، لتحقيق بعض المطالب، لكن الواضح أن المسؤولين في بغداد، يتعاملون مع أوضاع كهذه، باعتبار أنها تستهدف أولاً وأخيراً النيل من سلطاتهم، في حين يتوجهون بشكل عملي، لتركيز السلطات في العاصمة الاتحادية.
نائب رئيس الوزراء صالح المطلك، وهو يعترف بأن الفساد استشرى أكثر، في ظل الحكومة التي يشارك فيها، أعلن أنه لا يجوز وضع العراقيين أمام خياري الدم أو تفتيت العراق، وهو يؤشر بذلك الدعوات القادمة من ساحات الاعتصام في ست محافظات عراقية، التي خيّرت الحكومة بالقبول بنظام الأقاليم أو المواجهة، وقال إنه كان يتمنى على ساحات الاعتصام أن تقول، إما خيار الأقاليم وإما تحقيق مطالبها، كي تجبر الحكومة والقوى السياسية، على تحقيق الإصلاحات، وهو يغض الطرف عن الفترة الزمنية الطويلة، التي قضاها المعتصمون في ساحاتهم، وهم يتقدمون بمطالبهم لحكومته، التي ردت على ذلك في الحويجة، وهي ربما تسعى لتكرار نفس العملية في الأنبار.
لسنا في وارد قبول الدعوات للأقاليم، مع أن علينا الاعتراف بأنها حق دستوري، ولسنا في وارد قبول تبرير المطلك، الذي كان تعرض للطرد من قبل معتصمي الأنبار، إنه باق في الحكومة، لأنه لا يريد للبلد ولا يقبل له، أن ينزلق لمسلسل الدم، مع أنه يتهم جهات في الحكومة بالسعي للصدام، من خلال حثهم المعتصمين، على طرح شعارات يعتبرها انفصالية، ليعرّوهم أمام الشارع، وكعادة معظم الساسة العراقيين، لم يعتبر نفسه جزءاً من المشكلة، وحاول النأي بنفسه عنها، قائلاً إنه مع خيار الإصلاح السياسي في العراق الموحد، وإعطاء فرصة للعراقيين حتى انجلاء هذه الأزمة.
لا يوجد تفسير لتمنيات المطلك، بأن يأتي سياسيون عقلاء في المستقبل، يبدؤون بإصلاح الوضع، للوصول إلى مصالحة وطنية حقيقية، ويأتوا بقادة يكون العدل شعارهم، بحيث لا يبحث العراقي عن صراع، إلا اعتباره أن الساحة اليوم خالية من هؤلاء العقلاء، المتجردين من أهوائهم الشخصية، والقادرين على إشاعة العدل بين الناس، ذلك يعني أن على العراقيين القبول بأن يحكمهم ساسة غير عقلاء، بانتظار جيل جديد من القادة العقلاء، يعلم الله وحده متى يأتون لإنقاذ البلاد والعباد، ولنا الحق في سؤال السيد المطلك إن كان يعتبر نفسه من سياسيي اليوم، أو أنه سبق العصر، فجاء عاقلاً بين مجانين.
معضلة العراقيين الشديدة الوضوح، أن سياسييهم يتعاملون مع الدستور بانتقائية تتناسب مع أهوائهم ومصالحهم، ولا تأخذ بالحسبان المصلحة الوطنية، ولو أخذنا تجربة إقليم كردستان نموذجاً، لكان على كل المخلصين السعي لإنشاء أقاليم قادرة على تكرار تجربة النجاح، لا يعني ذلك قبولاً مجانياً بفكرة إنشاء الأقاليم، لمجرد الاختلاف مع حكومة المالكي أو غيرها، وليست رغبة حقيقيةً صادقةً في إعمال الدستور، بما يتناسب مع المصلحة الوطنية، المهم وصول الجميع إلى قناعة بسيادة الدستور وإن كان بحاجة لبعض التعديل.
حين يتجاهل الساسة الدستور
[post-views]
نشر في: 29 مايو, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 1
الشمري فاروق
شكرا حازم مبيضين..لقد كنت معنا ايام دكتاتورية المقبور صدام.. واليوم انت معنا ايضامع حكومة الجهله والاميين..والدكتاتوريين الصغار الجدد شكرا لعمودك الرائغ هذا والف شكر