الكثير من الشباب يتحمسون هذه الايام ليعثروا على شيء يمكن فعله لوقف السيناريوهات السوداء. وبالتأكيد يمكن لكثير من الناس ان يعدوا مبادراتهم لمكافحة الطائفية والدعوة للاخاء والمواطنة، "ترفا" لا يمكن التحمس له في لحظة استيقاظ اخطر عفاريت الموت واكثرها حماقة وسادية. البعض ايضا يعتبر الشباب راغبين "بالاستعراض" والبحث عن فرصة للشهرة. لكنني ادعو الجميع لفهم رسالة عميقة تكتبها مبادرات مثل "محو الطائفية".
نحن اليوم امام جيل عراقي تودعه الامهات كل صباح بما يشبه "النظرة الاخيرة" لانه سيقطع شوارع تتزايد فيها احتمالات اكثر اشكال الموت ألما. هؤلاء ايضا ضحية أساليب موت مختلفة لا تقل خطورة عن فعل الانتحاري والمفخخ. انهم يرتادون جامعات مهملة، ويعيشون في احياء سكنية خارجة عن مقاييس الماضي والحاضر. يعيشون أياما بلا ألوان، كالحة خاكية تحت سماء مسقوفة بالبنادق وخوذ الجند. صرنا كأمة نشبه ذلك الصومالي الذي يجلس تحت شجرة ميتة ويتصفح عبر الانترنت صورا لمباهج البلدان العظيمة. شبابنا يقيمون في مدن بلا ألوان، ويتحسرون بعمق حين يرون انهم تخلفوا عن ركب الشباب التركي والمغربي وحتى الباكستاني.
وتكبر حسرتهم وتتعاظم حين يجدون صانعي السياسات ينهمكون في الاستعداد للمزيد من حفلات الموت، بدل ان يسخروا جزءا من ممكنات الدولة في "تلوين" مدننا وتحسين معاشنا.
ان الشباب ولا شك، يحلمون، ويتوهمون احيانا، وتتملكهم مثل كل الشيوخ والعجائز، شهوة الاستعراض والبروز. لكن علينا ايضا ان نتدبر في حسراتهم العميقة وشعورهم بأنهم جيل لم يروا سوى نهاية حرب وبداية اخرى. ولم يروا من صانعي القرار سوى فعل مميت او فشل في منع الافعال المميتة.
ان جيل اليوم في بلادنا يتعرض لصياغة روحية خطيرة حقيقتها الكبرى لوعته وخيبته من شكل الحياة الذي تريد آلهة التاريخ ان تقول له ان هذا هو حصته من الدنيا. هؤلاء الشباب وهم يتطلعون الى الخيارات المبهجة المتاحة لنظرائهم حتى في رام الله، لا يستطيعون ان يستسلموا بسهولة لفكرة ان تستمر فضيحتنا كجماعات بشرية، بسبب خلاف ديني او تصورات بدائية حول التقاسم الدموي للثروة.
انهم شباب يصعب اقناعهم بأن التاريخ بطيء وتحولاته متماهلة، وان قدرهم فقط هو الذي جعلهم يولدون في لحظة انتهاء حرب واندلاع ثانية وثالثة. صعب ان تقنعهم بأن عليهم الاستسلام للخناجر التي تقوم باعدام ايسر رغائب الحياة.
ان الشعوب الحية المتحضرة لا تجلس حبيسة الدار تنتظر ان يطرق عفريت التوحش والعدم الابواب ويخطف الافراد واحدا تلو الاخر. ووسط سلبيتنا الواضحة كشعب لم يبتكر بعد اساليب متقدمة للوقوف بوجه العجز السياسي، فان الشباب اصحاب مختلف المبادرات يريدون ايصال رسالة واحدة الى جميع العراقيين، هي انهم لن يستسلموا بسهولة للشعور بالحسرة واللوعة ونقص الحظ وخذلان التاريخ.
لقد خاطر بعضهم وتجول حاملا شعارات مكتوبة بالحسرة ذاتها، وراح يجمع تواقيع وبصمات لمكافحة الانقسام الطائفي، ودخلوا مناطق ساخنة في الانبار، وأحياء محاطة بالقداسة في النجف، وجمعوا انصارا في الموصل والحلة وذي قار، ونجحوا في تدوين رسالة واضحة ومشروعة، كما كتبوا لوعتهم بكبرياء ولم يكتفوا بالولولة والنواح السلبي، خاصة في هذه الايام التي تشهد استسلام كثير من العراقيين لعبارة تعبر في سياقها الحالي عن هزيمة العقل وموت الروح، من قبيل "كلامك صح، لكن لا حياة لمن تنادي".
ان مبادرات الشباب، تعلم بوضوح ان "لا حياة لمن ننادي" لكن حسرتهم العميقة المكتوبة بكل ما تبقى من كبرياء هذه البلاد، تقول لنا بوضوح ان على الامم الحية ان تنفخ روحا في مراكز القوى التي مات احساسها. وان على الامم الحية ان تفتح آذان مراكز القوى التي تتظاهر ب"الطرش" او العمى او تلك الاحزاب والمجموعات التي تتظاهر بأننا مجرد كميات من البشر الذين يسهل الاستمرار في خداعهم.
الشباب هؤلاء يتعاملون مع الحسرة بشكل ايجابي، ويمكن مع تقدم الوعي وتعاظم الالم، ان ينجحوا في تحويل اللوعة الى ارادة تقحم الحياة وتنتزع التنازلات قسرا من الارواح الميتة التي نناديها بلا جدوى منذ وقت طويل. التاريخ كائن قديم وعجوز ويمشي ببطء وملل يا شباب، لكنكم بكل هذه الحماسة والحسرة الايجابية، قد تنجحون في اقناعه بأن يزيد قليلا من سرعته وان يخرج بنا من لحظة نقص الحكمة، الى قدر اخف سوءا. حسبكم انكم تحاولون تخفيف قبحنا امام الدنيا، وأمام انفسنا.
تخفيف قبحنا وتقليل سوئنا
[post-views]
نشر في: 29 مايو, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 4
سولون العراقي
سرمد ماذا اقول لك وانت اسم على مسمئ اكتب لاشلت يمنك . كلماتك تفضح اكاذيبهم وزيفهم ودجلهم اكتب هولاء لا دين لهم وذمة ولا الا.
ابو علي الزيدي
حقا لا أرى شباب كأيامنا حين كنا نملئ الدنيا تفائلا وحبا وبهجة اليوم يعيش الشاب في تيه في الأفكار مترتحنا بها لا يعرف الى اين يمشي ساعة لليسار وأخرى لليمين ساعة يلطم وأخرى تراه يرقص انه يعيش ليس بوهم وانما بأوهام.وهنا أريد أن أشير الى خطر على شبابنا من أن
قاسم عبد اللة
اسمعت لو ناديت حيا ولكن ( لا حياء لمن تنادي ) .... كتاباتك بلسم لجراحنا يا استاذ سرمد .... بارك اللة فيكم .... الكارثة ان سياسيينا وعلى رأسهم السلطان سيد محسن عفوا اقصد السيد المالكي اميين لايقرؤون ...
نبيل العابد
سرمد انت لم تعطي الشباب العنفوان والحيويبة والنشاط والاندفاع فقط وانما الشيوخ والعجائز دب فيهم الامل بعد ان فقدوه - هولاء الشخوص البريمرية عشر عجاف مرت كانها قرون اثبت الاسلام السياسي فشله الذريع في قيادة البلد - الحكم المدني هوالحل الامثل للعراق - يقول ا