ما حصل في دار السيد عمار الحكيم، وهو داعية تصالح وصوت اعتدال، وضع طرفي النزاع وجها لوجه للمرة الأولى منذ ٣ سنوات، وجعل جمهورا عريضا يدرك مرة أخرى، بأن رئيس مجلس الوزراء ليس مجبرا على تحريك دباباته ضد منافسيه، فالحوار وسيلة وحيدة لوقف الدم وحفظ الكرامة بمعناها الحديث. وهذا ما كان المعتدلون يرددونه منذ خروج الاميركان. وهو بالضبط ما اراد المتطرفون وناقصو الحكمة، نسيانه منذ خروج الاميركان.
اطراف النزاع لم تضبط ساعاتها على توقيت الدم. نعلم ان ألف عراقي، رحلوا بألم خلال اقل من شهر، وأن ٨٠ مفخخة انفجرت في ٩ أيام وبصقت في وجوهنا وسخرت بضحكة سوداء في عيون الموتى: انفقتم ٤٠ مليار دولار على الأمن خلال آخر ٣ سنوات، ولا يزال في وسعنا خداعكم.
دعاة الحرب يقولون: استمرت حرب النروج الاهلية ١١٠ اعوام في القرن ١٣. استغرقت الحروب الدينية في فرنسا ٣٠ عاما خلال القرن ١٦..الخ. ما ضير ان نقاتل نحن ٣٠ عاما؟
الحكيم وضع الجميع امام مسؤولياتهم وقرأ جملة من مبادئ التهدئة. لكن اطراف النزاع لم تحرك في "مرحلة ما بعد البوس" بنود المراجعة التي يمكنها ان تعيد الجميع الى الايمان بأن هناك مشروعا يستحق الحماية، وأن من الضروري ان نسارع لايصاد الابواب التي فتحها الحمق السياسي ودخلت منها "تباشير" الفناء.
القوى السنيّة والكردية تتحمل مسؤولية كبيرة في "تلصيق" هذا البلد. لكن الجميع سيعجزون عن وضع ملامح اللحظة التي تتلو "تبويس اللحى" اذا لم يظهر اعلان شيعي واضح يقوم بعدة خطوات لا تتحمل التأخير. اذ لا يمكن ان نرجو السنّة والاكراد والعلمانيين والاقليات، ان يخضعوا لسلوك المالكي (الذي يرفضه الشيعة انفسهم) بأمل ان نجنب البلاد الويل. وليس من المقبول تخييرنا بين القبول بنهج حكم متخلف، او ان نموت بين نيران المالكي ومفخخات القاعدة.
المسؤولية اليوم شيعية، ففي يد "ممثل الكتلة الأكبر" كل الجيش ومليارات النفط وخيوط السياسة الخارجية، والقول الفصل في وضع القوانين ونقضها، والأخطر من كل ذلك، صيغة التأثر والتأثير بسياسة ايران في المنطقة.
الاعلان الشيعي الذي نحتاجه جميعا والذي يعززه تقارب الحكيم والصدر وتفاهم معقول مع الاخرين، وسخط النجف، يجب ان يوضح بما يكفي، خطوات تفصل العراق عما تريد ايران فعله في المسار السوري، قبل ان "تختفي" الحدود بين دمشق وبغداد، كما اختفت تقريبا بين لبنان وسوريا. وهذا ما يدرك معتدلو الشيعة أهميته. فالحفاظ على الدم العراقي، اقدس من التورط في اي "مقدس" اخر. والعراق المذبوح لن ينفع شيعة العالم ولا سنّتهم او هكذا يفترض. والعاجز عن حماية الداخل لن يتمكن من حماية الخارج، الا بمنطق التورط المروع الذي وقع في فخه صدام حسين.
والاعلان الشيعي يجب ان يوضح الموقف من طلب المحافظات السنّية تحويل امنها الى قوات الأمن المرتبطة بالحكومات المحلية، وان يبقى الجيش على الحدود، كي لا يستيقظ الاهالي كل صباح على خبر اعتقالات تفاقم ازمه الثقة بين شعب المحافظات وجيش بغداد. وكي لا يستمر المسلحون باستغلال الجو العدائي بين "جيشنا وأهلنا". وهذا ما يدرك معتدلو الشيعة أهميته.
والاعلان الشيعي يجب ان يوضح تصوره حول شكوى السنّة من تحول سياسة الاجتثاث، الى أزمه اجتماعية كبيرة في مدنهم. وعقلاء البلاد يدعون لمعالجة هذا بالطريقة التي اعتمدت في بلدان النزاعات المماثلة.
والاعلان مطالب ايضا بتوضيح نقطة حاسمة تتعلق بتقاسم النفط الوفير جدا، ووضع مبادئ عادلة لقانونه. لكي نعيد الإفرار بالوضع التعددي للبلاد، ولنتعلم كأمة منكوبة، كيف أدار المتحضرون خلافاتهم وحقنوا الكثير من الدماء بتصحيح سياسات النفط.
ان اعلانا كهذا سيجعل السنّة (والاكراد ايضا)، امام مسؤوليات واضحة والتزامات متحضرة، وسيتيح لنا ان نلوم بأشد اللوم، اي طرف يرفض صيغة عادلة تحقن الدم. أما اذا عجز معتدلو الشيعة عن تقديم اعلان واضح يضع نواة لمراجعة عراقية، فهذا غرق رسمي في سياسة فاسدة للتشدد السني والشيعي، تضعنا كقرابين مستسلمة امام جيوش تكفيرية وفتاوى وعمليات ذبح لا تعرف الرحمة تنفذها اكثر الغرائز بدائية.
"البوسة" في دار الحكيم أعادت تعريف ممكنات السلام. ووضعت اطراف النزاع ثانية امام سؤال: هل تؤمنون بممكنات السلام حقا، ام انكم وبغوايات كثيرة، ستنخرطون في اسوأ حفلة موت بدأت للتو في الشرق الاوسط، وتأخذوننا الى تيه في العالم السفلي؟
الشيعة ولحظة ما بعد "البوس"
[post-views]
نشر في: 8 يونيو, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 3
عادل جبر
سيد سرمد..استوقفتني بعض التعابير اعتقد انك اسأت التقدير فيها: اولآ: تقول (ان يخضعوا لسلوك المالكي (الذي يرفضه الشيعة انفسهم))....لا أعتقد ان هناك رفض عام لهذه السياسات والرافضون تقريبا الوحيدون هم الصدريون ولا يخفى على مثلك لماذا. ثاني:تقول(او ان نموت بين
فريد
عاشت ايدك يااصيل _ ياعراقي
حيدر
احسنت ياسرمد اكتب واكتب واكتب فان الاقلام الشريفة هي التي تدق جرس الانذار في وجه هذا التخبط وسوء الادارة التي تعتلي جميع مؤسسات الدولة احسنت وبارك الله فيك