اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عربي و دولي > الأشجار تطلق قوة السياسات الشعبية

الأشجار تطلق قوة السياسات الشعبية

نشر في: 8 يونيو, 2013: 10:01 م

شهدت تركيا تطورين مثيرين خلال الأسبوع الماضي. في البداية، نظمت جماعات مناصرة للبيئة اعتصاماً للاحتجاج على خطط الحكومة لإزالة بعض الأشجار في قلب اسطنبول لإفساح المجال لإنشاء مركز تسوق. وقد تزايدت أعداد المنضمين إلى هذا الاعتصام لاحقاً فيما أطلق عليه "

شهدت تركيا تطورين مثيرين خلال الأسبوع الماضي. في البداية، نظمت جماعات مناصرة للبيئة اعتصاماً للاحتجاج على خطط الحكومة لإزالة بعض الأشجار في قلب اسطنبول لإفساح المجال لإنشاء مركز تسوق. وقد تزايدت أعداد المنضمين إلى هذا الاعتصام لاحقاً فيما أطلق عليه "ثورة الأشجار" لتصل إلى الآلاف، مما يشير إلى مولد ديناميكية بيئية جديدة في السياسة التركية. والأمر الأكثر أهمية أنه عندما شددت قوات الأمن الخناق على الاعتصام، باستخدامها الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه، تدفق عشرات الآلاف إلى شوارع اسطنبول في منتصف الليل للدفاع عن حقهم في الاحتجاج، إلى جانب حق الأشخاص أصحاب الانتماءات الأيديولوجية المختلفة في فعل الشيء نفسه.
وقد أشار الحادثان إلى مولد نوع جديد من السياسات الشعبية في تركيا.
من الناحية التاريخية تعرض المجتمع المدني التركي إلى الشلل التام نتيجة انقلاب العام 1980، حيث قام الجيش بإغلاق كافة منظمات المجتمع المدني، من بينها نقابات عمالية بل وحتى أندية الشطرنج. وقد ظلت منظمات المجتمع المدني تلك مغلقة لسنوات بموجب مرسوم عسكري وانزوى العديد منها جراء ذلك.
وقد أعقب انقلاب العام 1980 عقد من العنف السياسي في البلاد بين الحكومة والجماعات اليمينية المتطرفة من جهة واليساريين المتطرفين من جهة أخرى (حيث تقاتل الشيوعيون أيضاً فيما بينهم). وقد كانت الجماعات اليسارية واليمينية المؤيدة للعنف مرتبطة بالعديد من منظمات المجتمع المدني، لذا فإنه حتى بعد انتهاء النظام العسكري في العام 1983 وتم السماح لمنظمات المجتمع المدني بمزاولة أنشطتها، ابتعد العديد من الأتراك عن الجماعات المدنية القديمة.
وكان من شأن مولد الطبقة الوسطى في البلاد في أواخر الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي أن يسمح بتكوين منظمات مجتمع مدني جديدة، كتلك الداعمة لحقوق المرأة. لكن العديد من هذه الجماعات المدنية فشل في جذب المواطنين النشطاء عبر الأناضول.
وقد ظل الضعف يشوب المجتمع المدني في تركيا. وعندما اندلعت الاحتجاجات الجماهيرية فإنها عجزت عن إحداث تغيير حقيقي. وفي الواقع غالباً ما كانت تجري تلك المسيرات تحت رعاية الحكومة، كما كان عليه الحال في العام 1989 عندما خرج الأتراك إلى الشوارع عقب دعوة الحكومة للاحتجاج ضد الحملة القسرية لفرض الثقافة البلغارية على الأتراك في بلغاريا.
وقد اقتصرت التظاهرات في حالات أخرى على جماعات محددة، مثل تلك المسيرات التي نظمها العلويون الأتراك في العام 1993 للاحتجاج على تفجير فندق في وسط تركيا أودى بحياة عدد من العلويين والفنانين اليساريين البارزين. وفي حالات أخرى، ارتبطت المظاهرات بالجيش، مثل مسيرات العام 2007 التي خرج فيها الأتراك العلمانيون إلى الشوارع للاحتجاج ضد "حزب العدالة والتنمية"، الحزب الحاكم. ونظراً لأن تلك المسيرة كانت بمثابة دعوة غير صريحة للجيش للضغط على السياسيين، فإنها عجزت عن اكتساب شرعية واسعة النطاق في أوساط الجمهور.
بيد أننا قد نشهد اليوم نقطة تحول. فقد اعتصم المتظاهرون حالياً في تركيا في الميدان الرئيس في مدينة اسطنبول لعدة أيام وانتشرت التظاهرات لتشمل أكثر من 60 مدينة تركية. وفي هذه المرة، نجحت تحركات المجتمع المدني في إحداث بعض التغييرات في سياسة الحكومة. وفي 2 حزيران، تراجع رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان عن اقتراحه بإنشاء مركز للتسوق. وبعد أن غادر أردوغان في رحلة إلى المغرب، قام رئيس الوزراء بالنيابة والعضو البارز في الحزب الحاكم، بولينت أرينج، بالاعتذار للمتظاهرين المعتصمين عن عنف الشرطة، وعرض أيضاً اللقاء بهم.
هناك عاملان وراء انبعاث السياسات الشعبية في تركيا. الأول هو وسائل الإعلام الاجتماعية، التي ساعدت وحدها على تحويل اعتصام لمناصرة البيئة إلى مسيرة ضخمة مناهضة للحكومة ونجحت في الحفاظ على زخمها لأيام.
والعامل الثاني هو الطبقة الوسطى الجديدة في تركيا. فخلال العقد الماضي، أصبحت غالبية المجتمع في تركيا من الطبقة الوسطى، ومن المفارقات أن تلك الطبقة نشأت بفضل السياسات الاقتصادية الناجحة التي اتبعها أردوغان. بيد أن هذه الأغلبية الديموغرافية تطالب الآن باحترام الحريات الشخصية (مثل الحق في التجمع)، وكافة مقتضيات ذلك التقدير، مثل احترام البيئة والإرث المدني.
لقد شملت المسيرات عدداً من الناخبين المؤيدين لـ «حزب العدالة والتنمية»، الأمر الذي يشير إلى أنها ليست كالمسيرات العلمانية القديمة المناهضة لـ «حزب العدالة والتنمية». وينعكس أسلوب الأتراك مع هذا «الحزب» على النحو: "ربما نصوت لصالحكم، لكن هذا لا يعني أننا سوف ندعم جميع سياساتكم".
لقد عرفت الطبقة الوسطى الآن معنى العمل الجماهيري المنظم وقوته، وأرغمت أردوغان ـ الذي رسم لنفسه صورة الرجل القوي في السياسة ـ على تغيير رأيه بشأن مشروع مركز التسوق. وحتى لو خبت جذوة مظاهرات هذا الأسبوع في نهاية الأمر، يبدو أن الحركة الجماهيرية ومطالب الطبقة الوسطى بالحرية قد أصبحا قوة يحسب لها حساب في السياسات التركية، كل ذلك بفضل حملة لمنع إزالة بعض الأشجار.
*سونر چاغاپتاي، كاتب تركي وزميل أسرة باير ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

معلومات مثيرة حول توماس كروكس مطلق النار على ترامب

مقتل رجل اعمال سوري مقرب من الأسد بغارة إسرائيلية

ترامب يختار "جي دي فانس" مرشحا لمنصب نائب الرئيس

320 شهيداً ومصاباً "حرقاً" خلال 48 ساعة بأسلحة "محرمة دولياً" في غزة

مقالات ذات صلة

بشأن تحديث

بشأن تحديث "كراود سترايك".. مايكروسوفت تصدر توضيحاً 

متابعة/ المدىأفادت شركة "مايكروسوفت"، اليوم السبت، بأن تحديث شركة "كراود سترايك" أثر على 8.5 مليون جهاز يعمل بنظام ويندوز أو أقل من واحد بالمئة من كل الأجهزة التي تعمل بهذا النظام.وتسبب تحديث برمجي من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram