اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > النخلة اسمها، لطفية الدليمي

النخلة اسمها، لطفية الدليمي

نشر في: 8 يونيو, 2013: 10:01 م

لا أعرف لماذا نشعر بالدهشة عندما نسمع عن اضطهاد يحدث في أحد المجتمعات الأوربية؟ أو تمييز بحسب الدين أو القومية أو الجنس؟ فمهما كانت الصورة التي خلقناها عن هذه المجتمعات كاملة وتظهرها بمنتهى العدالة والإنسانية، والسلمية، إلا أن ذلك يجب أن لا يعني عدم توقعنا المفاجئات، وأن تكون العدالة التي تتمتع بها هذه البلدان نسبية، ومخترقة.
ومع ذلك دهشت كثيراً عندما حدثتني عن معاناتها، ثم فشلها، في الحصول على حق اللجوء بفرنسا. وكيف أن تعقيدات منح اللجوء هناك جعلتها على حافَّة التشرد واضطرتها إلى القبول بغرفة صغيرة خالية حتى من المرافق الصحية، لكن تبين أن مالكة الغرفة تعاني من عقدة التمييز ضد العرب أو المسلمين. وكيف أن بعضاً من الموظفين المسؤولين عن إتمام معاملات طلب اللجوء، يرفضون إتمام أوراق اللاجئ الذي لم يتعلم بعد التحدث بالفرنسية، ما يعني أن تتحول عملية منح اللجوء إلى أمر شبه مستحيل، وهذا ما دفعها لترك فرنسا ولجوئها وتمييزها واعتداءاتها، والانتقال إلى الأردن. حدثتني عن أشياء كثيرة أشعرتني بالألم جراء اضطرار سيدة بقامتها إلى الهرب من بلدها والتعرض لمواقف هي في غنى عنها. بقيت تتحدث بكبرياء إلى أن توقفت عند حادثة تعرضها للاعتداء والسرقة، في فرنسا، من قبل بعض الزنوج، وهي الحادثة التي نقلتني من الاندهاش إلى الهزيمة، ونقلتها من كونها نخلة يشعرك شموخها بالرهبة، إلى كونها دمعة يشعرك ضياعها بالانكسار والخجل واللاجدوى.
قالت؛ بأن هذه الحادثة تسببت لها بالإهانة الأقسى في حياتها؛ فقد تعامل معها اللصوص بعنف شديد جراء تمسكها بجهاز اللابتوب الذي تحتفظ داخله بآخر أعمالها الروائية، الأمر الذي عرضها إلى سحل على أسفلت الشارع وضرب لا يتحملهما جسدها ولا كبريائها، ما أوقفها وجهاً لوجه امام أسئلة الجدوى والمصير، وكيف أن التهديد والعنف اللذين هربت بسببهما من بغداد، أجهزا على كبريائها في باريس، وكيف أن دقائق ليلتها الموحشة تلك، تحولت إلى معاول قسوة، جالت في هيكل روحها المحطمة سلفاً. وبينما توقفت عن السرد لتكفكف دموعها بخجل، حاولت أنا تغيير وجهة الحديث. لكنني تعثرت كثيراً، وتلعثمت، ومن ثم سكت، سكت لأنني شعرت بالعار، وشعرت بالمسؤولية، وشعرت بالضياع، وشعرت بالهزيمة، وشعرت بالكثير من الغضب. لطفية الدليمي وما أن شعرت بارتباكي، حتى عادت للابتسام، فأنقذتني بخفة رواية وبراعة قصيدة، وحكمة سيدة، سيدة تعرف كيف تصنع انتصارها أو على الأقل توحي لك به.
يا سيدتي الفاضلة، لا ذنب لفرنسا في ما حصل معك، فمن أين لفرنسا أن تعرف بأنك النخلة العراقية؟ لذلك اعتقدت بأنك مجرد امرأة. لكن الذنب كل الذنب يقع على العراق، الذي لم يعرف إلى الآن بأن اضطرار نخلته إلى التسكع وحيدة ومرعوبة في بلاد لا تعرف قيمتها، يوجه إهانة مستمرة، ولا تحتمل، إلى جميع نسائه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. سليم جواد الفهد

    هل فعلا لامكان للمبدعين في اوطانهم فهو اما أن يعيش غريبافي وطنه اوشريدا في بلاد الغربة

  2. ابو زيد

    انه لشعور بالأسى ان تواجه إحدى المبدعات مثل لطفية الدليمي كل هذه المشاكل .ولاشك في ان لها كامل الحق في ان تختار نمط الحياة الذي يلائمها وليس عليها تثريب فيما تقرره لنفسها . الا ان الكاتب يشعرنا بانها مضطره للعيش في فرنسا لامتناع عيشها في بلدها .ولا أظن ذ

  3. علاء البغدادي

    حبيبي أبو غيث: أبكيتني والله، لروعة ما كتبت وألمه، نعم سياط العار تجلدنا جميعاً، لما تعرّضت له قامة بحجم الدّليميّ، ففضلاً عن كونها امرأة ولابدّ أن تحتفظ بكرامتها على أتمّ وجه، فهي واحدة من المبدعات العراقيّات الرّائعات.. ما حدث للدّليميّ، يؤكّد لنا بأنَّ

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram