لا أعرف لماذا نشعر بالدهشة عندما نسمع عن اضطهاد يحدث في أحد المجتمعات الأوربية؟ أو تمييز بحسب الدين أو القومية أو الجنس؟ فمهما كانت الصورة التي خلقناها عن هذه المجتمعات كاملة وتظهرها بمنتهى العدالة والإنسانية، والسلمية، إلا أن ذلك يجب أن لا يعني عدم توقعنا المفاجئات، وأن تكون العدالة التي تتمتع بها هذه البلدان نسبية، ومخترقة.
ومع ذلك دهشت كثيراً عندما حدثتني عن معاناتها، ثم فشلها، في الحصول على حق اللجوء بفرنسا. وكيف أن تعقيدات منح اللجوء هناك جعلتها على حافَّة التشرد واضطرتها إلى القبول بغرفة صغيرة خالية حتى من المرافق الصحية، لكن تبين أن مالكة الغرفة تعاني من عقدة التمييز ضد العرب أو المسلمين. وكيف أن بعضاً من الموظفين المسؤولين عن إتمام معاملات طلب اللجوء، يرفضون إتمام أوراق اللاجئ الذي لم يتعلم بعد التحدث بالفرنسية، ما يعني أن تتحول عملية منح اللجوء إلى أمر شبه مستحيل، وهذا ما دفعها لترك فرنسا ولجوئها وتمييزها واعتداءاتها، والانتقال إلى الأردن. حدثتني عن أشياء كثيرة أشعرتني بالألم جراء اضطرار سيدة بقامتها إلى الهرب من بلدها والتعرض لمواقف هي في غنى عنها. بقيت تتحدث بكبرياء إلى أن توقفت عند حادثة تعرضها للاعتداء والسرقة، في فرنسا، من قبل بعض الزنوج، وهي الحادثة التي نقلتني من الاندهاش إلى الهزيمة، ونقلتها من كونها نخلة يشعرك شموخها بالرهبة، إلى كونها دمعة يشعرك ضياعها بالانكسار والخجل واللاجدوى.
قالت؛ بأن هذه الحادثة تسببت لها بالإهانة الأقسى في حياتها؛ فقد تعامل معها اللصوص بعنف شديد جراء تمسكها بجهاز اللابتوب الذي تحتفظ داخله بآخر أعمالها الروائية، الأمر الذي عرضها إلى سحل على أسفلت الشارع وضرب لا يتحملهما جسدها ولا كبريائها، ما أوقفها وجهاً لوجه امام أسئلة الجدوى والمصير، وكيف أن التهديد والعنف اللذين هربت بسببهما من بغداد، أجهزا على كبريائها في باريس، وكيف أن دقائق ليلتها الموحشة تلك، تحولت إلى معاول قسوة، جالت في هيكل روحها المحطمة سلفاً. وبينما توقفت عن السرد لتكفكف دموعها بخجل، حاولت أنا تغيير وجهة الحديث. لكنني تعثرت كثيراً، وتلعثمت، ومن ثم سكت، سكت لأنني شعرت بالعار، وشعرت بالمسؤولية، وشعرت بالضياع، وشعرت بالهزيمة، وشعرت بالكثير من الغضب. لطفية الدليمي وما أن شعرت بارتباكي، حتى عادت للابتسام، فأنقذتني بخفة رواية وبراعة قصيدة، وحكمة سيدة، سيدة تعرف كيف تصنع انتصارها أو على الأقل توحي لك به.
يا سيدتي الفاضلة، لا ذنب لفرنسا في ما حصل معك، فمن أين لفرنسا أن تعرف بأنك النخلة العراقية؟ لذلك اعتقدت بأنك مجرد امرأة. لكن الذنب كل الذنب يقع على العراق، الذي لم يعرف إلى الآن بأن اضطرار نخلته إلى التسكع وحيدة ومرعوبة في بلاد لا تعرف قيمتها، يوجه إهانة مستمرة، ولا تحتمل، إلى جميع نسائه.
النخلة اسمها، لطفية الدليمي
[post-views]
نشر في: 8 يونيو, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 3
سليم جواد الفهد
هل فعلا لامكان للمبدعين في اوطانهم فهو اما أن يعيش غريبافي وطنه اوشريدا في بلاد الغربة
ابو زيد
انه لشعور بالأسى ان تواجه إحدى المبدعات مثل لطفية الدليمي كل هذه المشاكل .ولاشك في ان لها كامل الحق في ان تختار نمط الحياة الذي يلائمها وليس عليها تثريب فيما تقرره لنفسها . الا ان الكاتب يشعرنا بانها مضطره للعيش في فرنسا لامتناع عيشها في بلدها .ولا أظن ذ
علاء البغدادي
حبيبي أبو غيث: أبكيتني والله، لروعة ما كتبت وألمه، نعم سياط العار تجلدنا جميعاً، لما تعرّضت له قامة بحجم الدّليميّ، ففضلاً عن كونها امرأة ولابدّ أن تحتفظ بكرامتها على أتمّ وجه، فهي واحدة من المبدعات العراقيّات الرّائعات.. ما حدث للدّليميّ، يؤكّد لنا بأنَّ