TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ما أسهل أن تحترق بغداد

ما أسهل أن تحترق بغداد

نشر في: 9 يونيو, 2013: 10:01 م

هناك من يقول أن فشل الحكومة في إنفاق اكثر من ٧٠٠ مليار دولار بشكل لائق، هو أمر طبيعي لانها كانت أول تجربة من نوعها لرئيس الحكومة، اذ لم يسبق له ان انفق ٧٠٠ مليار دولار بالطبع، و"البدايات" محاطة بالمشاكل دوما!
لكن يبدو انه لا حدود للفشل في عالم الفوضى الخاص بنا الذي صار فشلا "بما فوق الطبيعي". وكبار المسؤولين يعترفون هذه الايام بأن الحكومة تجد صعوبة في التعرف على هوية حائزي السيارات المفخخة، ولذلك منعت دخول مليون سيارة لبغداد دفعة واحدة.
اذن احد اخطر اسباب موت العراقيين بهذه السهولة هو جهل الحكومة بمالكي السيارات. الامر ليس فشلا لجهاز استخباري يحتاج مائة عام ليطور نفسه، بل جهل بالمعنى الفطري والأولي، مثل تلميذ كسول لا يريد حفظ جدول الضرب.
ويمكن ان نتفهم على مضض فشل الحكومة في استثمار مئات المليارات من دولارات النفط في اصلاح قطاع الكهرباء او تأهيل البنى الخدمية او تطوير منظومة استخبارات متقدمة تخفف هزائمنا، ويمكن ان نقول ان الحكومة تعرضت الى خديعة في قضية سونار المتفجرات، وأنها "ليست اول حكومة تتعرض للخديعة في العالم". وهناك اعذار عديدة يلجأ اليها الناس لتبرير هذه الخطايا. لكن مرور عشر سنوات بدون تسجيل اصولي للعجلات المدنية، فضيحة لايطيقها حتى التنظيم البدائي في افقر البلدان وأكثرها تخلفا.
عملية تسجيل بسيطة جرى اهمالها عشر سنين، سهلت للجماعات المسلحة ان تقتني العجلات "المانفيست" وتفجر ٨٠ منها في بضعة ايام. وقد كنا نقول: يا الهي لماذا لم يتطور جهاز استخباراتنا لكي يرصد بجواسيسه وعيونه نقل المتفجرات والتمويل والتجنيد، ويقوم بتفكيك المقولات العقائدية التي تقنع شبابا بعمر الورود، بعقيدة الانتحار...؟ وكنا نقول: يا الهي ولماذا لم تساعدنا اميركا وبريطانيا والصين وهم شركاؤنا في الارض والسماء اليوم، بالاستعانة بالاقمار الصناعية ومراكز تحليل المعلومات الخاصة بشبكات الارهاب وباقي الاساليب المعقدة والتي جرى تطويرها بعد ١١ ايلول للتبنؤ بمخططات المهاجمين؟ لكن المسؤول العراقي يخرج ببرودة اعصاب ويصارحنا بالحقيقة المرة، قائلا ان الامر أسخف مما نتصور بكثير، وليس بحاجة الى قمر صناعي ولا خبرات كي جي بي او الانتلجنس سيرفيس وسي آي أي، فأي شركة بسيطة كان يمكنها حسم الفوضى في عائدية السيارات لتضييق الخناق على صانعي المفخخات، لكننا نتشبث بالفشل.
طيب، ما الحل؟ يأتيك الجواب السهل ايضا: سنمنع مليون سيارة من دخول بغداد، ونقيد ٦٠٠ ألف اخرى، وينتهي الموضوع.
اذن هناك جهل بحائز السيارة، سببه الاهمال والتقصير او اي سبب آخر يصعب علينا فهمه، ويصعب علينا معاقبة المسؤول عنه، لاننا وبمجرد ان نفكر باستجواب المقصر، فان "الدنيا ستنقلب"! وكأن الدنيا لم تنقلب بعد.
الاهمال والتقصير او اي سبب معقد اخر يصعب علينا فهمه، قدم للقاعدة وجبهة النصرة وجبهة الهزيمة، احلى هدية. سيارات بلا مالك محدد يمكن تفخيخها بألف طريقة وتفجيرها عند اقرب تقاطع مروري، دون خشية من أية ملاحقة. الهدية هذه قدمها للمسلحين، الجهاز الحكومي الذي يتفاخر بأنه "يتطور يوما بعد يوم" وانه ينجح في احباط مئات الهجمات، ولولاه  لزاد عدد المفخخات الثمانين، الى ١٨٠!
رئيس الحكومة يقول في تصريح اقرأه الان، ان العراق بدأ يتأثر بموجة الاقتتال الطائفي في المنطقة، وينسى ان العراق غارق في موجة من سوء الادارة والتنظيم، بحيث ان المسلحين لا يحتاجون الاستعانة بخبراء ارهابيين كبار لاحراق بغداد، لان فشل حكومة بغداد وضع كل ادوات الجريمة على المائدة ودعا عفاريت الكون الى ركوب "المانفيست" المجهولة والتهام الابرياء بكل سهولة على طاولة الغباء البيروقراطي.
فشل الحكومة في تسجيل السيارات، يجعلنا عراة امام الموت. ويزيد قناعتنا بأن عدم اعتراف الفاشل بفشله هو اخطر ألف مرة من انتحاريي القاعدة والقائمة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram