TOP

جريدة المدى > عام > ظل الحرب الطويل.. حول الحب، الرب والواجب

ظل الحرب الطويل.. حول الحب، الرب والواجب

نشر في: 10 يونيو, 2013: 10:01 م

لم تكن مفاجأة، بقراءة المقاطع الافتتاحية لرواية " الوطن الأم "، اكتشاف أن ويليام نيكلسون كاتب سيناريو، لأفلام مثل " شادولاند " و" غلادياتور "، نال جوائز بارزة. تقدّم الرواية شخصياتها باقتصاد فيلمي: اليس ديكنسون، امرأة انكليزية شابة، في طريقها الى فرن

لم تكن مفاجأة، بقراءة المقاطع الافتتاحية لرواية " الوطن الأم "، اكتشاف أن ويليام نيكلسون كاتب سيناريو، لأفلام مثل " شادولاند " و" غلادياتور "، نال جوائز بارزة. تقدّم الرواية شخصياتها باقتصاد فيلمي: اليس ديكنسون، امرأة انكليزية شابة، في طريقها الى فرنسا لزيارة جدتها التي، حتى قبل عشرة ايام، لم تكن تعرف شيئا عن وجودها. هي أيضا أنهت للتو علاقة حب غير سارّة. وهي نفسها نتيجة حبل بالصدفة، جاءت اليس، كما يقول لها والدها، (( من سلسلة طويلة من الأخطاء )). تُرِك الأمر لجدتها لتروي لها عن (( قصة الحب الحقيقية )) في الأسرة.
إذ تلتف القصة عائدة الى صيف 1942، يتلبث الشك بأن هذه هي مخطوطة فيلم تتظاهر بأنها رواية. الفتيات المرحات للأي تي أس، الارستوقراطي الذي بلا ذقن، والذي يصادر الجيش منزله لأغراض عسكرية، قائد اللواء المتصلب الظهر على قمة جرف سوسكس الذي يشرف على مشهد هو (( تقريبا بارودي في انكليزيته ))، الحوار المقطّع حول (( العرض الكبير )) الناشئ: كل هذه امتزجت لتثير في الذهن ألفة مريحة لدراما ليلة أحد في التلفزيون.
لكن حين تحتشد القصة بالحركة، يبدو واضحا ان " الوطن الأم " هي في جزء كبير منها رواية اكثر منها فيلم في طور الانتظار. يُنقَل الى سوكس صديقان، أد، ضابط في البحرية الملكية، ولاري، ضابط اتصال مع العمليات المشتركة. يقع الاثنان في حب كيتي الجميلة، لكن أد الكاريزماتي، مع مسحة الحزن التي تشوب وجهه، هو الذي يسرق قلب كيتي. بعد تودد متبادل، يتزوجان لكن، تقريبا حالما ينتهي العرس، يُستدعى أد من شهر عسله للاشتراك في عملية جوبلييه، هجوم الحلفاء على ديب المحتلة وأكبر عملية مشتركة في الحرب حتى تلك اللحظة. عاجزا على الوقوف على الهامش، يتطوّع لاري للذهاب ايضا.
كانت ديب، بالطبع، حمام دم. من الستمئة جندي المشتركين في العملية، ثلاثة أرباع قُتِل، جُرِح أو تم أسره من قبل العدو. يُصاب لاري بجروح لكنه يفلح في التخلص. أد يؤخذ أسيرا. وستنقضي ثلاث سنوات قبل أن يعود الى الوطن، والى المرأة التي عرفها بالكاد لمدة شهر.
يتناول نيكلسون باقتصاد الصخب والفوضى، الرعب المهلك للمعركة، لكن هذا هو ظل طويل للكارثة، لإرثها النفسي الرهيب، ذلك ما يهمه أكثر. في الحرب، في ظل تأثير ما يدعوه أد (( ثمن التضحية بالنفس ))، القرارات التي تغيّر الحياة تؤخذ بعجالة. ذلك عندما تنتهي الحرب يكون هناك الوقت والضرورة لحساب ما يجعل الحياة تعتاش بشكل أفضل.
قصة لاري هي التي تشكّل الرواية، وليست صدفة ان واحد من الأحاديث المتكررة بين كيتي ولاري تدور حول (( الشخصيات في الكتب، وكيف من الصعب جعل الناس الطيبين مثيرين للاهتمام )). لاري هو ذلك المخلوق النادر، رجل طيب لا هو معتد بنفسه ولا هو شخص مضجر أو ساذج. ذكي، لطيف، هما أسوأ ما يوجه اليه من نقد، إنه يصارع وعيه ورغباته الخاصة، حالم يرتاب بصحة أحلامه. رغم انه يتوق الى أن يكون رساما، يخاف دوما من أنه غير جيد بما يكفي: (( إنها الفجوة بين ما يحسّ به وهو يرسمهم وما يحسّ به الآن وهو يراهم، وذلك أمر لا يطاق أبدا. )) أد، من جانب آخر، هو رجل مبتهج – (( لا خوف، لا خجل، لا تردد. عيشي حياتك مثل سهم منطلق، )) يقول لكيتي – لكنه يتصارع مع شيطان الكآبة.
نيكلسون هو كاتب صاحب أسلوب بسيط على نحو مضلل، لكن " الوطن الأم " هي رواية عميقة ومؤثرة؛ تأمل رقيق وعطوف عن الحب، الرب والواجب وكيف تكون طيبا. (( كم نحن صغار، )) يقول لاري بكآبة، (( سخفاء، ضائعون في نظر الأبدية ))، ولا نقدر، حتى لو أننا نعرف ان ذلك حقيقة، النأي بأنفسنا عن الاهتمام العميق بقدر هؤلاء الناس المحترمين، المفسَدين. حين تنتقل القصة من كاتار الفرنسية الى جامايكا ما بعد الاستعمار الى الهند أثناء التقسيم، من المستحيل نسيان التاريخ البشري من الوحشية وإراقة الدماء، ومع ذلك ثمة أمل، لأن هناك دائما، في نيكلسون وشخصياته، ورغم اليأس والخسران، الجذوة الملتهبة للإنسانية. إنجازه الكبير يكمن في خلق العلاقة العاطفية المثلثة، التي لا نستطيع نحن، كما شخصياته، أن نرى فيها حلا، لأنه أمر لا يطاق تخيُل أي منهم يتألم.

عن الغارديان

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

بروتريه: فيصل السامر.. قامة شامخة علماً ووطنيةً

الحكّاء والسَّارد بين "مرآة العالم" و"حديث عيسى بن هشام"

موسيقى الاحد: 250 عاماً على ولادة كروسيل

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة

في مجموعة (بُدْراب) القصصية.. سرد يعيد الاعتبار للإنسان ودهشة التفاصيل الصغيرة

مقالات ذات صلة

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة
عام

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة

أدارت الحوار: ألكس كلارك* ترجمة: لطفية الدليمي يروى كتابُ مذكرات لي ييبي Lea Ypi ، الحائز على جائزة، والمعنون "حُرّة Free" تجربة نشأتها في ألبانيا قبل وبعد الحكم الشيوعي. أما كتابُها الجديد "الإهانة indignity"...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram