أخيراً نبأ مفرح وطمأنينة عارمة وسط حالة الإحباط التي نعيشها، فقد اكتشفنا أننا أكثر شعوب الأرض تديّنا ً، وأن حكومتنا الرشيدة شعارها مخافة رب العالمين، لذلك على كل من يخطر له أن يطالب بإقامة دولة مدنية، أن يتذكر أن ربيع " القائد المؤمن" مزهر ومتجدد.. ولن ينتهي.
علامات التديّن عندنا معروفة وواضحة، وهي باقة جميلة من التسامح: مواسم خروج السرّاق من قماقمهم، مواسم التزوير، ومواسم حصولنا على الأرقام القياسية في عدد عصابات الجريمة المنظمة، ومواسم تهجير العوائل الآمنة ومطاردتها، ومواسم تعذيب المعتقلين، ومواسم اختطاف الناس من الشوارع تحت سمع وبصر القوات الأمنية، ومواسم متكررة لإلغاء جميع أشكال الحياة المدنية، ومواسم انتعاش الرشوة، ونهب ثروات البلد وازدهار الطائفية.
أتخيل العراقيين وهم يعربون عن الامتنان الشديد "لهذه المنظمة" ليس فقط على اعتبارهم أكثر الشعوب تدينا، بل على تذكيرهم بهذا الامر، فقد كادوا ينسون وسط الانتصارات الكبرى التي حققها ائتلاف دولة القانون، فالبلاد تعيش عصرها السعيد.. المصانع تعمل بأقصى طاقتها، المشاريع الخدمية فاقت الوصف، قادتنا بفضل "تديّنهم" وورعهم استطاعوا أن ينقلوا هذه الدولة التي كانت تعيش على هامش التاريخ خلال سنوات قصيرة من الزمن لتصبح اليوم البلاد الأفضل في العالم.
بلاد لم تكن فيها سوى المستنقعات والفقر واقتصاد يعتمد على التسوّل من دول الجوار، فاستطاع "الحجّاج" وبوقت قياسي أن يبنوا بلدا للناس وليس لأقاربهم ومقربيهم، أغلقوا السجون السرّية وفتحوا المدارس. وطبّقوا حكم القانون، فأقاموا نموذجا لبلد لا تنتهك فيه الحريات ولا تعطى الأوامر للجيش باعتقال الناس على الشبهات، لم يفضلوا طائفة على أخرى، فقط طلبوا من الجميع أن يتساووا في الحقوق والواجبات، عملوا من خلال إشاعة " الفضيلة والأخلاق الحميدة " على إنتاج مجتمع آمن ومستقر،، سياسيون ومسؤولون وصفتهم السحرية للحكم تتلخص في إنشاء ميليشيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي طاردت المسيحيين والإيزيديين واستطاعت بفضل تقواها ان تحولهم إلى "مهجرين" يبحثون عن الأمان في دول الكفار.
"حجّاج" لم يناقشوا ما فعلوه منذ عشر سنوات، لم يفكروا إلا بغريزة البقاء التي تعني بالنسبة لهم البحث عن عدو، والعدو من يقف ضد شهوتهم للسلطة واتهامه بالتهمة الجاهزة: إنهم كفار لا يريدون دولة الإسلام.. لا يريدون دولة تحكم بشرع الله، ولهذا نجدهم لا يقولون شيئا عن الفساد وعصابات كاتم الصوت سوى كلمة واحدة،ان كل ما يحدث من خراب في العراق سببه ابتعاد العراقيين عن الدين.
الناس انتظرت من "الحجّاج والمتّقين" بعد دخولهم الحكومة أن يفعلوا شيئا أو يقدموا بشارات سياسة حديثة يمكنها أن تصنع دولة مؤسسات أو تبني سياسات جديدة، فلم يفعلوا شيئا، سوى السير على خطى "القائد المؤمن"، والتحالف مع الشيطان من اجل اقتسام المنافع وتحويل البلاد إلى دكاكين تجارية.
للكاتب الشهير موليير مسرحية اسمها "طرطوف"، رسم فيها شخصية رجل فاسد،يتخذ من الدين وسيلة لإشباع شهواته وهو يتظاهر بالتقوى.. وقد تحولت "هذه المسرحية" إلى واحدة من كلاسيكيات الادب العالمي، حتى صارت كلمة "طرطوف"، تستعمل للإشارة إلى رجل الدين المنافق. والسؤال هنا: كم "طرطوف" يعيش في مؤسسات الدولة وفي أروقة الحكومة ، وفي مكتب رئيس مجلس الوزراء، وكم "طرطوف" يرأس جهازاً أمنياً؟ وكم "طرطوف" يصلي ويصوم، لكنه يغش ويسرق ويقتل.
الناس تجد نفسها اليوم تعيش في ظل "طراطيف" متشددين يغضبون لأن نادياً اجتماعياً فتح أبوابه، أو ان امرأة غير محجبة تسير في الشارع، لكنهم لا يجدون غضاضة في استغلال فقر النساء والزواج منهن بنظام "المتعة والمسيار" وشراء إرادة الناس في الانتخابات بـ "البطانيات" ليحولوا مجلس النواب إلى منصات للخطابة والشعوذة السياسية!
لقد رأينا نواباً يطالبون بسن قوانين تقيد حريات الناس وتحارب البهجة والسعادة والفرح، في الوقت الذي نجد فيها عوائلهم تستمتع بكل ملذات الحياة في دول أوروبا " الكافرة "
هكذا اصبحت الخرافة جزءاً من مشروع الاستحواذ على السلطة، بتحريم كل ما يتعلق بالحياة المدنية، ونشر ثقافة ترى أن المجتمع يعيش فى "الجاهلية" وان "سياسيي الصدفة" هم "مبعوثو العناية الالهية الذين سينقذوننا من الضياع ويعيدون لنا "الدين الحقيقي" وبدلا من دولة يحكمها القانون، يريدون منا ان نعيش في ظل دولة "الحاج..؟" الذي يمنح بركاته للفاسدين والقتلة والمزورين.. ويمنعها عن المطالبين ببناء دولة حديثة
والان هل نحن حقا الشعب الأكثر تديناً؟
أهلاً بكم في الدولة الأكثر تديناً
[post-views]
نشر في: 10 يونيو, 2013: 10:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 1
د عادل فيلى
اولا البعث ترك العراق بعد عمليه تجهيل جماعى دام40 سنه قاده فيهاالجهلاءالشقاوات واولادالشوارع والجهل ارض تخصب فيهاالخرافات ولكن بمرور الزمان العلم ينتصر والغد لناظره لقريب وهل يستوى الدين والدبن لايعلمون