أتحدث دائماً، وأكتب، عن الجبرية، وأؤمن أن السكَّة التي يسير عليها الإنسان، خلال حياته، لا تقع في دائرة خياراته بشكل تام، فهناك كم هائل من الظروف والمتحكمات والعقبات الاجتماعية والنفسية والتربوية والبيولوجية والبيئية ووو الخ، تؤثر في اتجاهات هذه السكَّة وطبيعة المحطات التي ستمر بها، ومن ثم لا يبقى لقدرات الإنسان وإمكاناته إلا النسبة القليلة من التأثير بمصيره.
يحاول الإنسان بشكل مستمر ـ ومن حقه ـ أن يقتنع بأن مستقبله رهن أمره، وهو لذلك لا يتذكر إلا المرات التي تساعده خلالها الظروف على تحقيق غاياته، وينسى المرات الكثيرة التي تعرقله فيها الظروف. ينسى مثلاً أهمية وتأثير ما تسميه ثقافتنا الشعبية بـ"القسمة والنصيب" فهذه الثقافة أدركت خلال تجربتها التاريخية أن هناك أشياء مقسمة سلفاً ولكل منا نصيب منها. الآباء والأمهات مقسَّمون ولا أحد منّا يستطيع التحكم بنصيبه منهم. كأن يختارهما ملاكان حارسان لا شيطانان لصّان. الأخوة كذلك، المعلمون الأكثر أثراً في حياة أحدنا، أيضاً مقسَّمون، والويل لمن يصادف أن يكون نصيبه معلماً متطرفاً في إيمانه بالأفكار المسمومة، فيغديه بألوان الكراهية للآخرين.
لا يؤمن بحقيقة القسمة، إلا من ذاق حلاوة النصيب أو مرارته، كما يحدث عندما تُقَسَّم أحداث اليوم، منذ صباحه الباكر، فيكون نصيب أحدهم منها كارثة مشؤومة، كأن يجد نفسه (مثلاً) متهماً بقضية لا ناقة له بها ولا جمل، ويتفاجأ بأن خيوط التهمة محكمة من حوله، فيقبع جراء هذا النصيب سنيناً خلف القضبان. وبمقابل هذا المشؤوم تكون حصة غيره من قسمة أحداث ذلك اليوم امرأة جميلة تسقط عليه من السماء، كأن تأتيه رسالة منها، هكذا ودون أن يتدخل هو، لتخبره عن حبها وولعها به، ثم تفتح عليه الحياة من خلالها جميع مباهج ومفاتن النصيب الفذ.
الجبرية واضحة في كلا هاتين الحالتين؛ لذلك نضعهما في خانة القسمة والنصيب. لكن لو دققنا بسلسلة الظروف التي اوصلتنا لما نحن عليه، فسنجد بان الانصبة التي حصلنا عليها من مجموع الأقسام اليومية هي التي قادتنا لما نحن عليه، ومن هنا علينا أن لا ننتظر ممن كان نصيبه من الآباء شياطينهم ومن الأخوة أكثرهم أنانية ومن المعلمين أشدهم تطرفاً ومن بقية الظروف كل ما يدفع باتجاه الجريمة، لا ننتظر منه أن لا يكون مجرماً.
في النهاية لكل منّا حصته من معادلة القسمة والنصيب، والمشؤوم، كل المشؤوم، من تمنحه الحياة من أحداث يوم ما، نصيباً كنصيب المرأة الجميلة، وفي اليوم الثاني نصيباً كنصيب التهمة، فيقبع خلف قضبان النصيب المر، محروماً من لذَّة النصيب الحلو. لذلك أخاف كثيراً من نصيب اليوم الثاني.
نصيبك امرأة جميلة بلا قضبان
[post-views]
نشر في: 10 يونيو, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 2
Ali
مقال جميل واجمل ما فيه مقدر ومكتوب وسؤال يسال هل بالجبر واو التفويض انه امر ما بين الامرين وبالتالي هنالك الشقي والسعيد في الحياة الدنيا اما حسابات الرحمن فهي تختلف قد يكون الشقي سعيداً ويكون السعيد شقياُ جعلنا الله واياكم من سعداء الدنيا والاخرة ان شاءال
yaser alhelfe
مقاله جميله جدا سلمت اناملك استاذ سعدون على هذه المقاله الاكثر من رائعه ... جميعنا نخشى ان يكون نصيبنا في اليوم الثاني اكثر تشائما بل نريد ان يكون نصيبنا امراءة جميله تملئ علينا حياتنا بهجه وسرور ....تحياتي لك ودمت مبدعا