TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > نصيبك امرأة جميلة بلا قضبان

نصيبك امرأة جميلة بلا قضبان

نشر في: 10 يونيو, 2013: 10:01 م

أتحدث دائماً، وأكتب، عن الجبرية، وأؤمن أن السكَّة التي يسير عليها الإنسان، خلال حياته، لا تقع في دائرة خياراته بشكل تام، فهناك كم هائل من الظروف والمتحكمات والعقبات الاجتماعية والنفسية والتربوية والبيولوجية والبيئية ووو الخ، تؤثر في اتجاهات هذه السكَّة وطبيعة المحطات التي ستمر بها، ومن ثم لا يبقى لقدرات الإنسان وإمكاناته إلا النسبة القليلة من التأثير بمصيره.
يحاول الإنسان بشكل مستمر ـ ومن حقه ـ أن يقتنع بأن مستقبله رهن أمره، وهو لذلك لا يتذكر إلا المرات التي تساعده خلالها الظروف على تحقيق غاياته، وينسى المرات الكثيرة التي تعرقله فيها الظروف. ينسى مثلاً أهمية وتأثير ما تسميه ثقافتنا الشعبية بـ"القسمة والنصيب" فهذه الثقافة أدركت خلال تجربتها التاريخية أن هناك أشياء مقسمة سلفاً ولكل منا نصيب منها. الآباء والأمهات مقسَّمون ولا أحد منّا يستطيع التحكم بنصيبه منهم. كأن يختارهما ملاكان حارسان لا شيطانان لصّان. الأخوة كذلك، المعلمون الأكثر أثراً في حياة أحدنا، أيضاً مقسَّمون، والويل لمن يصادف أن يكون نصيبه معلماً متطرفاً في إيمانه بالأفكار المسمومة، فيغديه بألوان الكراهية للآخرين.
لا يؤمن بحقيقة القسمة، إلا من ذاق حلاوة النصيب أو مرارته، كما يحدث عندما تُقَسَّم أحداث اليوم، منذ صباحه الباكر، فيكون نصيب أحدهم منها كارثة مشؤومة، كأن يجد نفسه (مثلاً) متهماً بقضية لا ناقة له بها ولا جمل، ويتفاجأ بأن خيوط التهمة محكمة من حوله، فيقبع جراء هذا النصيب سنيناً خلف القضبان. وبمقابل هذا المشؤوم تكون حصة غيره من قسمة أحداث ذلك اليوم امرأة جميلة تسقط عليه من السماء، كأن تأتيه رسالة منها، هكذا ودون أن يتدخل هو، لتخبره عن حبها وولعها به، ثم تفتح عليه الحياة من خلالها جميع مباهج ومفاتن النصيب الفذ.
الجبرية واضحة في كلا هاتين الحالتين؛ لذلك نضعهما في خانة القسمة والنصيب. لكن لو دققنا بسلسلة الظروف التي اوصلتنا لما نحن عليه، فسنجد بان الانصبة التي حصلنا عليها من مجموع الأقسام اليومية هي التي قادتنا لما نحن عليه، ومن هنا علينا أن لا ننتظر ممن كان نصيبه من الآباء شياطينهم ومن الأخوة أكثرهم أنانية ومن المعلمين أشدهم تطرفاً ومن بقية الظروف كل ما يدفع باتجاه الجريمة، لا ننتظر منه أن لا يكون مجرماً.
في النهاية لكل منّا حصته من معادلة القسمة والنصيب، والمشؤوم، كل المشؤوم، من تمنحه الحياة من أحداث يوم ما، نصيباً كنصيب المرأة الجميلة، وفي اليوم الثاني نصيباً كنصيب التهمة، فيقبع خلف قضبان النصيب المر، محروماً من لذَّة النصيب الحلو. لذلك أخاف كثيراً من نصيب اليوم الثاني.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. Ali

    مقال جميل واجمل ما فيه مقدر ومكتوب وسؤال يسال هل بالجبر واو التفويض انه امر ما بين الامرين وبالتالي هنالك الشقي والسعيد في الحياة الدنيا اما حسابات الرحمن فهي تختلف قد يكون الشقي سعيداً ويكون السعيد شقياُ جعلنا الله واياكم من سعداء الدنيا والاخرة ان شاءال

  2. yaser alhelfe

    مقاله جميله جدا سلمت اناملك استاذ سعدون على هذه المقاله الاكثر من رائعه ... جميعنا نخشى ان يكون نصيبنا في اليوم الثاني اكثر تشائما بل نريد ان يكون نصيبنا امراءة جميله تملئ علينا حياتنا بهجه وسرور ....تحياتي لك ودمت مبدعا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

 علي حسين اعترف بأنني كنت مترداً بتقديم الكاتب والروائي زهير الجزائري في الندوة التي خصصها له معرض العراق الدولي للكتاب ، وجدت صعوبة في تقديم كاتب تشعبت اهتماماته وهمومه ، تَّنقل من الصحافة...
علي حسين

قناديل: في انتظار كلمة أو إثنتيّن.. لا أكثر

 لطفية الدليمي ليلة الجمعة وليلة السبت على الأحد من الأسبوع الماضي عانيتُ واحدة من أسوأ ليالي حياتي. عانيت من سعالٍ جافٍ يأبى ان يتوقف لاصابتي بفايروس متحور . كنتُ مكتئبة وأشعرُ أنّ روحي...
لطفية الدليمي

قناطر: بعين العقل لا بأصبع الزناد

طالب عبد العزيز منذ عقدين ونصف والعراق لا يمتلك مقومات الدولة بمعناها الحقيقي، هو رموز دينية؛ بعضها مسلح، وتشكيلات حزبية بلا ايدولوجيات، ومقاولات سياسية، وحُزم قبلية، وجماعات عسكرية تنتصر للظالم، وشركات استحواذ تتسلط ......
طالب عبد العزيز

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

سعد سلوم في المقال السابق، رسمت صورة «مثلث المشرق» مسلطا الضوء على هشاشة الدولة السورية وضرورة إدارة التنوع، ويبدو أن ملف الأقليات في سوريا يظل الأكثر حساسية وتعقيدا. فبينما يمثل لبنان نموذجا مؤسسيا للطائفية...
سعد سلّوم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram