TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > حمار مخيلف

حمار مخيلف

نشر في: 11 يونيو, 2013: 10:01 م

قبل شيوع استخدام السيارات من قبل أبناء الريف ، وصعوبة امتلاك الخيول لارتفاع أسعارها كانت الحمير الوسيلة المفضلة لتنقل الفلاحين بين القرى ، والذهاب إلى "الولاية" ومخيلف نجل احد الأشخاص المتنفذين في احدى قرى الجنوب ، وضع حماره تحت تصرف الراغبين في استخدامه، ولكن بثمن ليس ثابتا في كل الأحوال، بل يخضع لمزاج وشروط " الملاك " وغالبا ما تكون جائرة ، وعلى الرغم من شعور الجميع ، بان مخيلف يمارس سياسة الابتزاز واستغلال الحاجة لخدمات الحمار لتحقيق مكاسب شخصية ، لم يبدر منهم اي اعتراض او رفض مفضلين الإذعان ،والرضوخ تجنبا للمشاكل وأثارة غضب وزعل أبي مخيلف.
بمرور الأيام ، رفع مخيلف سقف مطالبه ، واجبر مستخدمي حماره على تلبية رغبته في الحصول على سجائر أجنبية ، ودشاديش وملابس داخلية ويشامغ ، وهذا التحول في رفع سقف المطالب ، حفز الأخرين على الاعتراض ، وبعد مشاورات ومداولات ، لبلورة موقف موحد للحد من استغلال مخيلف لظروفهم ، وتحميلهم أعباء ثقيلة ، قرروا التوجه الى أبيه لعرض حالهم ، عسى ان يتخذ قرارا جريئا لصالحهم ، وبعد انتظار ، ابلغوا بان صاحب الحمار يمتلك كامل الحرية في فرض الشروط والمطالب ، ومن لا يعجبه الأمر عليه ان يبحث عن وسائل أخرى للوصول الى الولاية سيرا على الأقدام ، لإنجاز معاملة الحصول على دفتر النفوس او تسجيل المواليد الجدد ،او الوصول الى محطة القطار والسفر الى بغداد و البصرة .
أهالي القرية بعد ان عجزوا عن إقناع صاحب القرار بإنصافهم ، قرروا اعتماد اسلوب آخر ينقذهم من الابتزاز ، فقال احد الشباب ان الإمر يتطلب تضافر الجهود ، وتكاتف الجميع لتنفيذ خطة سرية تامة للقضاء على الحمار بغارة ليلية ، وفي اليوم التالي يتم الإعلان رسميا عن نفوق حمار مخيلف ، وحينذاك يقدم أهالي القرية التعازي والمواساة وإبراز مظاهر الحزن تعبيرا عن أسفهم الشديد ، وتم الاتفاق على اختيار عدد من الشباب لتنفيذ الخطة .
قبل حلول ساعة الصفر حدث ما لم يكن في الحسبان ، فشن رجال أبي مخيلف حملة مداهمة وتفتيش وجرى اعتقال العديد من الشباب بتهمة التخطيط لقتل الحمار ، وتبين في ما بعد ان مخبراً سرياً قام بإخبار صاحب الحمار بالخطة ، فقام برد الفعل المناسب ، قبل الشروع بتنفيذها، وامضى رجال القرية ليلتهم بانتظار الصباح ليتعرفوا على الخطوات اللاحقة في التعاطي مع هذه المشكلة ،وفي الصباح اخذ كل شخص حقه من العقوبة ، فيما ظل المخبر السري مجهولا حتى الوقت الحاضر على الرغم من مرور عشرات السنين على تلك الحادثة.
تلك القرية تخلصت من أزمة حمار مخيلف بعد دخول "العنجة" وهي سيارة ، بدنها مصنوع من الخشب تولت مهمة النقل وبأسعار قليلة جداً ووفرت المتعة لمن لم يسعفه الحظ في ركوب سيارة سابقا ، وحظيت "العنجة" بالتقدير والاحترام لانها وفرت فرصة حسم أزمة مستعصية ، وقصة حمار مخيلف تصلح ان تكون علاجاً للأزمات في الوقت الحاضر بتوفير "العنجة" لتلبية مطالب الجماهير .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram