TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > حجارة الكاريكاتير

حجارة الكاريكاتير

نشر في: 12 يونيو, 2013: 10:01 م

رسام الكاريكاتير عبد الرحيم ياسر، حقق انجازا عندما تم اختياره ضمن ابرز عشرة فنانين تشكيليين شاركوا في معرض فينسيا الدولي (بينالي)  الذي اقيم  في مدينة البندقية الايطالية، وياسر المعروف عنه بانه يعمل بصمت، وخارج الضجة السائدة، جعل التشكيل العراقي في مرتبة متقدمة عالميا، وهذا الحدث لم يأخذ مكانه في  وسائل الإعلام المحلية، لانها وكعادتها مشغولة دوما في بث تصريحات السياسيين، واتهاماتهم المتبادلة، وبفضلهم احتل العراق مراتب متقدمة في قائمة الدول الاكثر فسادا في العالم.
الفنان ياسر بدأ نشاطه الفني مطلع عقد السبعينات من القرن الماضي، وبجهوده مع اخرين من ابناء جيله، الراحل مؤيد نعمة ، ورائد نوري،  وخضير الحميري، وعبد الكريم السعدون، وعلي المندلاوي والذين كانوا امتدادا لاساتذة فن الكاريكاتير بدءا من الراحل غازي ومرورا بالفنانين بسام فرج وفيصل لعيبي،  فنان حرر الكاريكاتير العراقي من النمط القديم المتأثر بالمدرسة المصرية، وحينما عرض هذا الجيل اعماله في معرض اقيم في القاهرة، علق عليه ابرز رسامي الكاريكاتير المصريين بقوله " هذا الكاريكاتير معداش على مصر" يعني ان ما حققه ياسر وزملاؤه لم يتأثر بالكاريكاتير المصري.
لم يقتصر نشاط عبد الرحيم ياسر على رسم الكاريكاتير، فهو متخصص بالرسم للاطفال ، وليس من المألوف ان يجمع فنان هذين النوعين من الرسم ، لكن اجتهاده كسر هذه القاعدة، فهو في الكاريكاتير يجسد الكوميديا السوداء، وله أسلوبه في طرح الفكرة بطريقة هو الوحيد يعرف اسرارها ليمررها من دون  اعتراض الرقيب، وفي أعماله الموجهة للأطفال، يغوص في عالم الطفولة باحثا عن الفرح والبهجة والفرح ليمنحها للصغار بألوانه.
أصدقاء وزملاء الرسام قدموا له التهاني لما حققه من انجاز كبير لوطنه، ومن المؤسف أن يمر الحدث من دون ان يلتفت له اصحاب الشأن من خارج الوسط الفني، وياسر المعروف بأنه بعيد عن الأضواء لا يفضل الحديث عن نفسه، وغالبا ما يترك جمهوره في حيرة أثناء حل الغاز تخطيطاته، مترقبا ردود الفعل المرتسمة على ملامح الوجوه، ولهذا السبب وصفت  تخطيطاته الكاريكاتيرية بأنها أشبه برشق حجارة على رؤوس مفسدي الحياة وصناع القبح والبشاعة.
معظم دول العالم المتحضرة تحتفي بمبدعيها بوصفهم رموزا جديرة بكل التقدير والاحترام، وتمنحهم الدعم المادي والمعنوي لمواصلة عملهم، من اجل توفير بيئة سليمة قادرة على احتضان المواهب وتنميتها، وبهذه  الخطوات تزدهر الثقافة، وتصبح هوية وعنوان وجود مجتمع متحضر متمدن.
من سوء حظ البلد ان يتجاهل رموزه الثقافية، ومن سوء حظ الادباء والفنانين ان يعيشوا في زمن تحريم الموسيقى، وعبد الرحيم ياسر تجاوز السائد والمالوف ، واستطاع ان يحقق منجزا خارج بلده، واكتفى بتهنئة الاصدقاء والزملاء ، لانه لا ينتظر من احد ان يمنحه  " التكريم " والاشادة من شخص لطالما رشقه بحجارة تخطيطاته الكاريكاتيرية ،  ليطهرالحياة من كل مظاهر السوء  والقبح والبشاعة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram