TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > من يستحقّ القتل؟

من يستحقّ القتل؟

نشر في: 12 يونيو, 2013: 10:01 م

لا معنى لكلمة (بقرة) لدى الصيني، ولا الهندي، ولا الإيطالي، لأنها كلمة عربية. ومع أن معنى هذه الكلمة يفترض أن يكون واحداً لدى الناطقين بهذه اللغة، لكن الانطباع الذي يتولد عندهم لحظة سماع، أو قراءة، الكلمة لا يكون واحداً، فانطباع الشخص العادي لدى سماعها يختلف عن انطباع القصّاب، وعن انطباع البيطري، وهكذا. بالنسبة للشخص العادي كلمة بقرة تساوي حيواناً بخصائص معينة ،إضافة إلى كونها طعاماً، أما بالنسبة للقصاب فحيوان وطعام ومادة تجارية، وللبيطري حيوان وطعام وموضوع عمل.
كلمة بقرة، وجميع الكلمات الأخرى، محايدة بالنسبة للمتلقين، لكن الانطباعات المختلفة تنشأ بسبب الاهتمامات، والميول، والذهنيات المختلفة. وهذا الأمر سار بالنسبة لجميع عمليات التعامل مع الكلمات ومن ثم النصوص. ومن هنا يجب أن لا نتوقع تولد انطباعات متشابهة عند قراءة نص ما، من قبل قرّاء ذوي ميول واهتمامات مختلفة. خاصَّة بالنسبة للنص المقدس، فمعه تكون القراءة منحازة أكثر؛ لأنها تتأثر بموروث القارئ، واتجاهاته العقائدية وانتماءاته الطائفية.
على هذا الأساس، فإن من يجادل الآخرين معتمداً على النص المقدس ومستفيداً من فهمه وفهم جماعته له، إنما يطالب هؤلاء الآخرين بأن يتخلوا عن عقولهم ويفكروا بعقله هو؛ لأن الانطباعات المتولدة عن قراءة النص، لا يمكن التحكم بها من قبل القارئ، وحالها كحال الإيمان، فهو شعور لا يمكن التحكم به.
بعبارة أخرى؛ إن كلمة (أهل البيت) الواردة في الآية الكريمة: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت....) كلمة محايدة بالنسبة للسنة والشيعة، لكن كلاً منهما يفهمها بشكل مختلف. وهو اختلاف مبرر، ويشبه اختلافهما حول كلمة (لا تحزن) الواردة في الآية القرآنية: (ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن...).
المغزى أن الذي يريد أن يجعل القرآن حكماً بينه وبين خصومه، واهم، لأنه يريد أن يُحكِّم وجهة نظره هو، باعتبار أن القرآن لا يمكن أن يعطي للمختلفين وجهة نظر واحدة، بل تتعدد وجهات النظر المستنبطة منه بتعدد المستنبطين. إذن القرآن لا يمكن أن يكون حَكَماً بين الناس، ليس لقصور فيه، لكن لقصور في الوعي البشري، الذي لا يفهم النصوص بالاستناد للمعاني الموجودة بها فقط، بل يضيف لها من عنده انطباعات ومشاعر ويسلط عليها مسلّمات واتجاهات. وقد قال الإمام علي: (القرآن حمّال أوجه). على هذا الأساس ،فإذا أردنا أن نعرف من يستحق القتل، ممن يستحق الحياة، فعلينا أن لا نسأل القرآن، لأن القرآن سيكون مغلوباً على أمره في هذه الحالة، وسَتُجيب بالنيابة عنه أهواؤنا وغاياتنا، بل علينا أن نسأل القانون الوضعي. سيقول البعض: بأن القانون أيضاً يعطي معاني مختلفة، وسأقول له: عندما يكون معنى القانون الوضعي ملتبساً فسنغيره بآخر أكثر وضوحاً، وهو ما لا نستطيع أن نفعله مع النصوص المقدسة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

(المدى) تنشر نص قرارات مجلس الوزراء

لغياب البدلاء.. الحكم ينهي مباراة القاسم والكهرباء بعد 17 دقيقة من انطلاقها

العراق يعطل الدوام الرسمي يوم الخميس المقبل

البيئة: العراق يتحرك دولياً لتمويل مشاريع التصحر ومواجهة التغير المناخي

التخطيط: قبول 14 براءة اختراع خلال تشرين الثاني وفق معايير دولية

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram