تحمل الأنباء القادمة من سوريا الروائح النتنة للفتنة الطائفية، التي أخذت الدور الأول في الحرب الدائرة هناك منذ أكثر من عامين، سعى خلالهما المتطرفون من الجانبين لجرّها إلى مستنقع الطائفية البغيض، ومنها ارتكاب مسلحين يدّعون الانتماء للإسلام، جريمة تطهير طائفي في قرية حطلة في دير الزور، حيث قتلوا 60 شخصاً، وهجّروا الباقين من القرية التي يقطنها الشيعة، والمؤلم المثير للاشمئزاز أنهم بثوا أشرطة فيديو تظهر احتفالهم بجريمتهم، ولم يكونوا فيما نشروه غير وحوش بشرية هائجة، تحركهم غرائز مستفزة، لايحسنون وهم تحت تأثيرها غير الشماتة بالجثث التي انتشرت، وهي تبين أن أصحابها قتلوا بدم بارد، وحقد لا علاقة له بالدين، وقبل ذلك قتل متطرفون فتىً حلبياً بعد اتهامه بالكفر عندما استخدم تعبيراً مجازياً للدلالة على رفضه البيع الآجل، رغم أنه قاصر دون الخامسة عشرة لا يمكن بموجب أي قانون، إسلامي أو غير إسلامي، إنزال عقوبة الموت به، حتى لو صح أنه ارتكب جرماً يستحق ذلك.
معروف أن التحشيد الطائفي مستمر، منذ تطورت الأزمة السورية إلى نزاع مسلح، حيث بدأ المتطرفون بتجييش الشباب من خارج سوريا للقتال دفاعاً عن "الإسلام"، وقد نجحوا بالفعل في توجيه الآلاف من جنسيات مختلفة، ترتفع أعدادهم يومياً، بشكل سيفوق ما كنا شهدناه في أفغانستان والعراق، ومن الجانب الآخر كانت مشاركات حزب الله وإيران وبعض الشيعة العراقيين تذكي نار الصراع الطائفي، باعتبارها ضد الطائفة السنية، التي يشعر كثير من المنتمين إليها بأن إخوتهم في الطائفة، وليس في الاسلام، يتعرضون لحرب إبادة، وان الواجب يدعو لنصرتهم، وكانت الفرصة جاهزة للمنغلقين طائفياً في الجانبين للترويج "للجهاد" عبر الكثير من المنابر والفضائيات والمواقع الإلكترونية.
واضح اليوم أن شرارة الحرب الطائفية التي انطلقت في سوريا، لن تتوقف عند حدودها، وستنتشر كالنار في الهشيم لتشمل المنطقة كلها، فقد أعادت أحداث سوريا تنظيم القاعدة إلى الواجهة ودائرة الفعل، ولم يكن غريباً أننا سمعنا نداء فتح باب الجهاد ضدها على أساس طائفي، ذلك أن من يقرع الباب سيسمع الجواب، وليس بعيداً أن نسمع قريباً عن مجزرة طائفية جديدة انتقاماً لمجزرة طحله، وهكذا فإن السيناريو المرعب هو تحول "الجهاديين" إلى تنظيمات إرهابية، ستقف حجر عثرة أمام طموحات السوريين في التخلص من نظام دكتاتوري، لينتقلوا إلى نظام أكثر تطرفاً في دكتاتوريته، لايجد حرجاً في اللجوء إلى الجريمة لفرض سطوته وهيمنته، خصوصاً على الطوائف الأخرى، وما أكثرها في سوريا.
وبعد، تطرح الأزمة الطائفية المستشرية سؤالاً عن موقف المواطن العادي غير المتطرف، وهل سيكون عليه الصمت أمام إمكانية انتقال السلطة من يد الدكتاتوريات التي حكمته لعدة عقود إلى دكتاتوريات جديدة تستمد قوتها القمعية من الغيب، أم أن عليه الدفاع عن أن يكون له رأي فيما يجري حوله، ويؤثر على وضعه الراهن ومستقبل أبنائه، وهل يظل المواطن العربي جاهزاً للطحن بين مطرقة القومية وسندان الدين، أم أن عليه الوقوف ضد كليهما، ليثبت أن الدين لله والوطن للجميع.