لو أنّ حفلة "تعرية" مواطن في محافظة الأنبار وإجباره على العودة إلى بيته "كما خلقني ربي"، تمرّ دون عقاب صارم لمنفذيها، فلا نستبعد أن تتحول القوات الأمنية إلى نوادٍ يصر أعضاؤها على تقديم حفلات "ستربتيز" بحجة أن قواتنا المغوارة متعبة وتحتاج إلى مشاهد ترويحية .
الخبر الذي نشر أمس في العديد من وسائل الإعلام يقول أن " قوات الجيش أقدمت قبل يومين على تعرية مواطن من ملابسه وسط سوق شعبية في منطقة "عكاشات " وإجباره على العودة إلى منزله عارياً وسط سخرية من قبل الجنود الذين أقدموا على الجريمة".. في الوقت نفسه نشرت مواقع فيسبوك صورة لرجل تم تعليقه على أحد أعمدة الشوارع الرئيسية في محافظة ديالى، بعد أن تم إعدامه أمام الناس بتهمة اشتراكه في عمليات إرهابية !
ما بين الجريمة التي نفذت ضد المواطن البسيط في الأنبار، وبين بشاعة القصاص من مجرم يفترض أنّ القانون هو صاحب سلطة القصاص، يعيش الناس اليوم في ظل سطوة أفراد وأجهزة يعتقد كل منهم أنّ له الحق في تنفيذ قانونه الخاص..قد تكون هناك جرائم تستحق العقاب، لكن المؤكد أنّ العقوبة يجب أن تأتي بأمر من القضاء، لا بأمر من ضباط يعتقدون أنهم فوق القانون وفوق الشرائع، عندما يصرّ البعض على تنفيذ قانونه الخاص، فأغلب الظن أننا ننجرف إلى هاوية لانهاية لها.
لعلّ الأخطر في واقعة " تعرية " مواطن عكاشات، ليس أنّ أفرادا من الشرطة قرروا أن يكونوا هم الدولة وهم القانون، بل هو رد فعل وزارة الدفاع التي صمتت، حيث لم نسمع حتى هذه اللحظة، تصريحا للسيد علي غيدان قائد القوات البرية، يقول لنا فيه ما الذي حصل، وما هي الإجراءات التي اتخذت بحق منفذي هذا الفعل الإجرامي الشنيع.
اليوم الناس يعيشون في ظل أجهزة أمنية هي عبارة عن خليط من تصرفات استفزازية وشتائم جاهزة وجهل تام بقواعد السلوك الاجتماعي، وفي يد كل منهم عصا غليظة يخرجها في اللحظة التي يشمّ فيها رائحة اختلاف مع ممارساته اللاشرعية.
يبدو أن البعض نسي بسرعة أنّ سياسيينا الأشاوس كانوا يقولون إنهم وافقوا الأمريكان على الإطاحة بنظام صدام بعد أن ضجّ الناس بانتهاك كرامتهم وآدميتهم على يد الأجهزة الأمنية، بحيث يمكن القول إن التغيير الذي حصل عام 2003 كان بمثابة انقلاب على الدولة القمعية البوليسية، فهل يعقل بعد عشر سنوات على الاطاحة بالدكتاتورية ان تعود الأجهزة الأمنية إلى ممارسة القمع وقتل الناس وانتهاك آدميتهم، وأن يتعرض الناس كل يوم إلى سيل من الممارسات السادية التي يقوم بها أفراد من الأجهزة الأمنية اعتقدوا أنهم ملكوا الأرض وما عليها.
سيقول البعض إنها ممارسات متناثرة هنا وهناك لم تشكل سياقا عاما بعد، وينسون أنّ السكوت على مثل هذه الأفعال سيحوّلها من جديد إلى منهج وسياق تبدو معه الأجهزة الأمنية وكأنها لا تريد أن تغادر عصر " القائد الضرورة ".
ومرة أخرى قد أتفق مع القائلين إنّ هذه وقائع فردية، لكنها في النهاية تبقى رسائل رعب تبثها أجهزتنا الأمنية التي نراها وديعة وخانعة أمام سلاطين الفساد وأمراء المليشيات وسرّاق البلد، وصنديدة ومغوارة مع المتظاهرين والناشطين المدنيين والرافضين لحكم أمراء الطوائف.
لقد عملت البشرية منذ عقود على اختراع اسمه الدستور الذي هو عقد اجتماعي بين المواطنين جميعا، ينتقل من خلاله المجتمع من حالة الفوضى، إلى حالة النظام والتحضر والعدالة التي تطبق على الجميع، وهذه هي الضمانة الوحيدة لاستمرار الحياة، ودون ذلك سيتحول المجتمع إلى غابة يفرض فيها القوي قانونه الخاص على الضعفاء.
لا يستطيع أحد أن يمنح العفو لـ" القادة الأمنيين" عن المسؤولية الجنائية عن هذا العار، ولو كان هؤلاء القادة عباقرة فإن بقاءهم في منصبهم بعد هذه الحوادث المخزية يعد نوعا من الاستهانة بكرامة العراقيين.. كما أن رئيس مجلس الوزراء مطالب بالاعتذار للرجل الذي انتهكت آدميته، فنحن لسنا أقل من تونس التي خرج رئيسها المرزوقى معتذرا باسم الأمة التونسية كلها ــ شعباً وحكومة ــ لفتاة تم اختطافها وتعريتها بواسطة عصابة من المجرمين وليس قوات أمنية ، وإن لم يفعل سيكون النظام السياسي كله عارياً عن الشرعية الأخلاقية والسياسية.
تتم تعرية مواطن مسكين في الشارع، ولا تجد الحكومة ما تستر به عريها. في الوقت الذي يصرّ فيه ائتلاف دولة القانون على تعطيل البرلمان بحجة إصدار قانون تجريم البعث.. ولكن أيها السادة لماذا لاتريدون أن تصدروا قانوناً يجرّم انتهاك آدمية الإنسان ؟!
تعرية مواطن لستر عورات السياسيين
[post-views]
نشر في: 15 يونيو, 2013: 10:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 3
hatan
هل ستحتج السلطة ان نظمنااحتججا بالخروج عراة في ساحة التحرير؟
ابوسعد
تجريم البعث ..وأصدار قانون يحرم انتهاك ادمية الانسان وجهان لعمله واحده الفارق الوحيد بينهم هو الزمن..وبما ان حقوق الوطن والمواطن ليس لها اجنده سوى الاضاحي وفقدان الامل ..يصبح عامل الوقت مفقود وليس له قيمه..وا
عراقي مغترب
الاخ علي حسين المحترم مقالاتك جميلة وفي صميم الواقع المر الذي نعيشه ومع الاسف فأن المؤسسة الامنية مفككة اكثر من اي وقت اخر مر به الجيش والمشكلة الكبرى ان بغياب المحاسبة والعقاب فانهم يزدادون في غيهم واذلالهم للناس . أريد منكم ان تكتبوا أيظا عن خسارة دولة