TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > تعرية مواطن لستر عورات السياسيين

تعرية مواطن لستر عورات السياسيين

نشر في: 15 يونيو, 2013: 10:01 م

لو أنّ حفلة "تعرية" مواطن في محافظة الأنبار وإجباره على العودة إلى بيته  "كما خلقني ربي"، تمرّ دون عقاب صارم لمنفذيها، فلا نستبعد أن تتحول القوات الأمنية إلى  نوادٍ يصر أعضاؤها على تقديم حفلات "ستربتيز" بحجة أن قواتنا المغوارة متعبة وتحتاج إلى مشاهد ترويحية .
الخبر الذي نشر أمس في العديد من وسائل الإعلام يقول أن " قوات الجيش أقدمت قبل يومين على تعرية مواطن من ملابسه وسط سوق شعبية في منطقة "عكاشات " وإجباره على العودة إلى منزله عارياً وسط سخرية من قبل الجنود الذين أقدموا على الجريمة".. في الوقت نفسه نشرت مواقع فيسبوك صورة لرجل تم تعليقه على أحد أعمدة الشوارع الرئيسية في محافظة ديالى، بعد أن تم إعدامه أمام الناس بتهمة  اشتراكه في  عمليات إرهابية !
ما بين الجريمة التي نفذت ضد المواطن البسيط في الأنبار، وبين بشاعة  القصاص من مجرم يفترض أنّ القانون هو صاحب سلطة القصاص، يعيش الناس اليوم في ظل سطوة أفراد وأجهزة يعتقد كل منهم  أنّ له الحق في تنفيذ قانونه الخاص..قد تكون هناك جرائم تستحق العقاب، لكن المؤكد أنّ العقوبة يجب أن تأتي بأمر من القضاء، لا بأمر من ضباط يعتقدون أنهم فوق القانون وفوق الشرائع، عندما يصرّ البعض على تنفيذ قانونه الخاص، فأغلب الظن أننا ننجرف إلى هاوية  لانهاية لها.
لعلّ الأخطر في واقعة  " تعرية " مواطن عكاشات، ليس أنّ أفرادا من الشرطة قرروا أن يكونوا هم الدولة وهم القانون، بل هو رد فعل وزارة الدفاع التي صمتت، حيث لم نسمع حتى هذه اللحظة، تصريحا للسيد علي غيدان قائد القوات البرية، يقول لنا فيه ما الذي حصل، وما  هي الإجراءات التي اتخذت بحق منفذي هذا الفعل الإجرامي الشنيع.
اليوم الناس يعيشون في ظل أجهزة أمنية هي عبارة عن خليط  من تصرفات استفزازية وشتائم جاهزة وجهل تام بقواعد السلوك الاجتماعي، وفي يد كل منهم عصا غليظة يخرجها في اللحظة التي يشمّ فيها رائحة اختلاف مع ممارساته اللاشرعية.
يبدو أن البعض نسي بسرعة أنّ سياسيينا الأشاوس كانوا يقولون إنهم وافقوا الأمريكان على الإطاحة بنظام صدام بعد أن ضجّ الناس بانتهاك كرامتهم وآدميتهم على يد الأجهزة الأمنية، بحيث يمكن القول إن التغيير الذي حصل عام 2003 كان بمثابة انقلاب على الدولة القمعية  البوليسية، فهل يعقل بعد عشر سنوات على الاطاحة بالدكتاتورية ان تعود  الأجهزة الأمنية إلى ممارسة القمع وقتل الناس وانتهاك آدميتهم، وأن يتعرض الناس كل يوم إلى سيل من الممارسات السادية التي يقوم بها أفراد من الأجهزة الأمنية اعتقدوا أنهم ملكوا الأرض وما عليها.  
سيقول البعض إنها  ممارسات متناثرة هنا وهناك لم تشكل سياقا عاما بعد، وينسون أنّ السكوت على مثل هذه الأفعال سيحوّلها من جديد إلى منهج وسياق تبدو معه الأجهزة الأمنية وكأنها لا تريد أن تغادر عصر " القائد الضرورة ".
ومرة أخرى  قد أتفق مع القائلين إنّ هذه وقائع فردية، لكنها في النهاية  تبقى رسائل رعب تبثها أجهزتنا الأمنية  التي نراها وديعة وخانعة أمام سلاطين الفساد وأمراء المليشيات وسرّاق البلد، وصنديدة  ومغوارة مع المتظاهرين والناشطين المدنيين  والرافضين لحكم أمراء الطوائف.
لقد عملت البشرية منذ عقود على  اختراع اسمه الدستور الذي هو عقد اجتماعي بين المواطنين جميعا، ينتقل من خلاله المجتمع  من حالة الفوضى، إلى حالة النظام والتحضر والعدالة التي تطبق على الجميع، وهذه هي الضمانة الوحيدة لاستمرار الحياة، ودون ذلك سيتحول المجتمع إلى غابة يفرض فيها القوي قانونه الخاص على الضعفاء.
لا يستطيع أحد أن يمنح العفو لـ" القادة الأمنيين" عن المسؤولية الجنائية عن هذا العار، ولو كان هؤلاء القادة عباقرة فإن بقاءهم في منصبهم بعد هذه الحوادث المخزية يعد نوعا من الاستهانة بكرامة العراقيين.. كما أن رئيس مجلس الوزراء مطالب بالاعتذار للرجل الذي انتهكت آدميته، فنحن لسنا أقل من تونس التي خرج رئيسها المرزوقى معتذرا باسم الأمة التونسية كلها ــ شعباً وحكومة ــ لفتاة تم اختطافها وتعريتها بواسطة عصابة من المجرمين وليس قوات أمنية ، وإن لم يفعل سيكون النظام السياسي كله عارياً عن الشرعية الأخلاقية والسياسية.
تتم تعرية مواطن مسكين في الشارع، ولا تجد الحكومة ما تستر به عريها. في الوقت الذي يصرّ فيه ائتلاف دولة القانون على تعطيل البرلمان بحجة إصدار قانون تجريم البعث.. ولكن أيها السادة لماذا لاتريدون أن تصدروا قانوناً يجرّم انتهاك آدمية الإنسان ؟!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. hatan

    هل ستحتج السلطة ان نظمنااحتججا بالخروج عراة في ساحة التحرير؟

  2. ابوسعد

    تجريم البعث ..وأصدار قانون يحرم انتهاك ادمية الانسان وجهان لعمله واحده الفارق الوحيد بينهم هو الزمن..وبما ان حقوق الوطن والمواطن ليس لها اجنده سوى الاضاحي وفقدان الامل ..يصبح عامل الوقت مفقود وليس له قيمه..وا

  3. عراقي مغترب

    الاخ علي حسين المحترم مقالاتك جميلة وفي صميم الواقع المر الذي نعيشه ومع الاسف فأن المؤسسة الامنية مفككة اكثر من اي وقت اخر مر به الجيش والمشكلة الكبرى ان بغياب المحاسبة والعقاب فانهم يزدادون في غيهم واذلالهم للناس . أريد منكم ان تكتبوا أيظا عن خسارة دولة

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram