TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > البلدية.. مقهى من أيام الزمن الجميل

البلدية.. مقهى من أيام الزمن الجميل

نشر في: 2 نوفمبر, 2009: 04:02 م

صاحب الشاهر ماذا يهمنا من بناية متداعية تلم اعطاف ماضيها في احدى زوايا ساحة الميدان.. وقد مسح الغبار ذيله على زجاج شبابيكها المتعبة.. ورسمت امانة العاصمة على بابها شارة (التفليش).. ما الذي يهمنا حين نرسل ابصارنا داخل فراغها الموحش وقد طردت رياح اليوم كل معالم امسها ولم تبق لنا غير نضارة الذكريات..
مقهى البلدية.. ليست بناية قديمة كالاخريات.. نفرح لتهديمها كي تنهض مكانها معالم جديدة.. لبغداد جديدة.. هذه المساحة التي تنفست هواءها طوال نصف قرن صور طيبة ولحظات رائعة مازالت تعيش في ذاكرة مثقفيها الذين ادركو ايامها الملونة ابان فترات الاختناق.. وضيق النفس.. اولئك الذين راحوا عرفوها كأول مسرح تحركت عليه اكثر من ظاهرة فنية واكثر من نشاط جميل.. عرفوها مع اول مطربات العراق.. منيرة الهوزوز ثم سميرة دجلة.. سليمة مراد.. جميلة دنكر وبدرية بنت السواس باسم (ملهى الف ليلة وليلة).. كما عرفوها مع فرق بغداد المسرحية وهي تقدم فنانيها عناية الله الخيالي.. عبدالله العزاوي.. هادي علي والصحافي محمود شوكت صاحب جريدة الثبات.. ثم شاهدها وهي تتآكل في حريق لفها في الثلاثينيات ليصار الى ترميمها من جديد باسم (ملهى الاوبرا العراقية) وتظل حتى منتصف الاربعينيات حيث تتغير خارطة ساحة الميدان تلغى ملاهيها.. وتبدأ قصة مقهى البلدية.. الوليد الجديد الذي تربع على هذا المكان منذ ذلك الوقت.. يتذكرون المقهى.. يتذكرون شبابهم هؤلاء المثقفون الذين يعيشون بيننا الان.. يتذكرون المقهى فيتذكرون شبابهم منهم من جاءها في اواخر الخمسينيات،، ومنهم من جاءها في الستينيات كملاذ متسع شهد فورة نشاطهم.. القراءة.. الكتابة.. الانطلاق بالتظاهرات الوطنية.. والخصومة احيانا الى حد استعمال الكراسي كسلاح ابيض.. لقد منت البلدية بدفئها على اكثر من اديب او فنان هرع اليها بعد ان قذفت به قسوة الجو السياسي الى الشارع.. وهنا تعاقبت مجاميع طيبة من جيل عبدالقادر رشيد الناصري.. عبدالخالق فريد.. محمود العبطة.. الى الجيل الذي جاء بعدهم.. وآخرون ممن احتفظوا في رؤوسهم بأكثر من طريفة واكثر من موضوع كانت فريسة (دسمة) للنقاش.. وهم يتأملون قاسم صاحب المقهى بسدارته التي اوحت للقاص عبدالرحمن الربيعي بموضوع قصصي جميل.. ويتأملون صانعه المزمن خضير.. وما بينهما من مسافة.. يموت الديك وعينه على.. السيد محمود العبطة تنطلق ذاكرته بأجزاء حية من هذا الشريط الملون والطويل.. حين يقول: قبل ايام جلست في مقهى البلدية مع احد اصدقائي.. وفي اثناء ذلك امتد بصري مسافة نصف كيلو متر حيث المكان القديم للمقهى.. ولمح صديقي ما يساور ذهني.. فقال المثل المشهور (يموت الديك وعينه على..) في سبيل اثارتي.ز فقلت له كانت ايامنا في المقهى رائعة داخل جوها الهادئ الذي كان يثير حماسنا للمطالعة والابداع.. لم يكن هنالك راديو.. ولا تلفزيون.. لاباعة يانصيب ولا صباغو احذية.. اذ حررت فيها فصولا من كتبي عن السياب ومحمود السيد والفلكلور البغدادي.. كما حررت مسودات تلك الكتب قبل دفعها للمطبعة القريبة.. فكيف لاتبقى عيوني مشدودة لها..؟ من رقص الهوائم.. الى عمامة الطيار ويقول العبطة: بعيدا عن الضوضاء كنا نتحدث عما نشرنا او قرأنا ونحن نصغي الى اغنية الجندول او الى موسيقى رقص الهوائم حيث كان المقهى يملك ثروة هائلة من الاسطوانات ولها موظف خاص يذيع على الفنوغراف بعد تقديم اسم الاغنية والقطعة الموسيقية من على ورقة خاصة لذلك.. اذكر ان في الجانب الاخر من مجموعتنا انا والسياب وحازم سعيد ومحمد روزنامجي وحقي الشبلي وغيرهم.. كان يجلس المرحوم الحافظ مهدي مع بطانته واشهرهم احمد شعبان بجراويته البغدادية البديعة.. وعلى بعد منهم يجلس ارباب الموسيقى الشعبية وقد علقوا الابواق والطبول فوق رؤوسهم بشكل مضحك.. وبعد ان انتقل المقهى الى مكان (ملهى الاوبرا) لم تنقطع ارجلنا عنه حيث اجتاحه في هذه الفترة الشباب الجديد.. ولم يبق من علامات البلدية القديمة الا السيد عبدالستار الطيار بعمامته ونرجيلته المعهودة.. من هنا.. انطلقت التظاهرات احمد فياض المفرجي يتحدث عن مشاهد من ايامه مع المقهى.. تلك الايام المليئة بالطرافة والجد.. الخصومة والاصدقاء.. يقول:انني لا يمكن ان انسى ذلك اليوم الذي اصطخبت فيه المقهى وضجت بمثقفيها.. وشبابها الذين اندفعوا للالتحام بالتظاهرة الوطنية التي خرجت تأييدا لثورة مصر عام 1952.. كما كانت احتجاجا متحمسا ضد النظام الملكي المستبد.. كما لايمكن ان انسى الشرطة الملكية الذين عودونا على احتلال المقاعد الامامية من المقهى وهم يحدقون في اوجه حلقات الشباب المثقف تصيدا لاجتماعات القوى الوطنية في المقهى.. والتظاهرة كانت لهم رزقا رائعا وجدوه في قمع الشباب المتظاهرين.. احسن مكان للتأليف.. والصفعة الودية الاستاذ المفرجي له ذكريات طريفة في (البلدية) ذكر لنا بعضا منها حين قال: كنا نتمتع بجو رائع في المقهى.. وفي عام 1957 دفعت بكتابي (المرأة في الشعر العراقي) للطبع.. وبعد اتمام مسوداته اقترح عليّ صاحب المطبعة ان اضيف فصلا عن المرأة في شعر حسين مردان فأسرعت الى (البلدية) وهناك حررت الفصل كاملا في جلسة واحدة، والحقته بالكتاب في نفس اليوم.. وبعد صدور الكتاب اطرى معظم من قرأوه على هذا الفصل ا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram