شهدت الأزمة السورية خلال الأيام الأخيرة تطورات مهمة ومتسارعة، لمواجهة خطورة تحول الصراع على السلطة، إلى حروب طائفية تشمل المنطقة بأسرها، على وقع التدخل السافر لحزب الله، ومن خلفه إيران، في المعركة لصالح نظام الأسد، والواضح أن لهجة الانتصار الطائفية المتشفية، التي صبغت خطابات نصر الله، بعد معركة القصير، استفزت شيوخ السنة، الذين أعلنوا الجهاد في سوريا، وانعقدت في كل العواصم المعنية خلايا أزمة، ضمت المسؤولين السياسيين والعسكريين، للرد على فتح مكاتب التطوع المذهبي في طهران والبصرة، ما يعني تطييف وتدويل الصراع، وبحيث لا يكون الميدان خالياً لموسكو وطهران، ومعهما حزب الشيخ حسن نصر الله.
في باريس انعقدت على عجل محادثات، شارك فيها على الخصوص رئيس الاستخبارات بندر بن سلطان، واتفق الجانبان السعودي والفرنسي، على ضرورة اتخاذ خطوات دولية عاجلة؛ كي لا يتكرر في حلب ما حصل في القصير، وقطع العاهل السعودي إجازته وعاد إلى بلاده لمتابعة التطورات المتلاحقة، فالرياض تعتبر هزيمة المعارضة السورية انتصاراً للتمدد المذهبي الذي تقوده طهران، وقطعت القاهرة المحكومة من تنظيم الإخوان المسلمين، كل علاقاتها مع دمشق، وأكد الرئيس المصري أن لا مجال ولا مكان لنظام الأسد في سوريا مستقبلاً، لارتكابه جرائم ضد الإنسانية، وكشف عن اتصالات ومشاورات لعقد قمة عربية طارئة من أجل سوريا، وقبل ذلك اتخذ مجلس التعاون الخليجي عدة قرارات تهدف إلى التضييق على أي نشاط لحزب الله في الدول الخليجية.
التطور الأكثر أهمية جاء من واشنطن، حيث أعلن الرئيس أوباما عن قرار تسليح المعارضة السورية، مستنداً إلى عاملين، أولهما نتائج معركة القصير، والإعداد لمعركة حلب، والدور المتنامي لحزب الله "الشيعي"، في المعركة التي يخوضها النظام ضد معارضيه، الذين يغلب عليهم "السنة"، ما يساهم في تعزيز المنحى الطائفي للصراع، والثاني هو المعلومات الاستخبارية المؤكدة، عن استخدام قوات الأسد أسلحة كيماوية ضد قوى المعارضة، وبديهي أن القرار الأمريكي، وما سينتج عنه من تطورات، سيحفز أطرافاً عديدة على تكثيف تدخلها، عبر عمليات التسليح والتدريب والتهريب، سعياً لضمان موطئ قدم لها في مستقبل المنطقة، وحجز مقعد في أي جهد دبلوماسي للتوصل إلى حل للأزمة.
بعد إعلان واشنطن، تعهد الجيش الحر بإسقاط الأسد في غضون ستة أشهر، إذا تأمن السلاح المناسب، وأهمه إقامة منطقة حظر للطيران، وكشفت مصادر غربية أن لدى واشنطن، رغم إنكارها ذلك، مشروعاً لإقامة تلك المنطقة، التي ستمثل دعماً لوجستياً مهماً للمعارضة، لكن السؤال هل تكون تلك المنطقة على الحدود الأردنية، أم في الشمال قرب تركيا، في حين يقول الخبراء العسكريون، إن من الخطر إمداد المقاتلين السوريين بالأسلحة أو تدريبهم، دون وجود منطقة حظر جوي، وهو ما رفضته موسكو فوراً على لسان وزير خارجيتها الذي شدد أن أي محاولة لفرض منطقة حظر طيران فوق سوريا سينتهك القانون الدولي.
أزمة سوريا تتحرك بسرعة من دائرة الحرب الأهلية حيث تتصارع فيها أطراف كثيرة من أجل ضمان استيلائها على السلطة، إلى صراع طائفي بين السنة والشيعة، مرشح للاتساع ليغطي المنطقة بأسرها، ويبدو أنه لن يكون مجدياً التذرع بالحرب الكونية ضد محور المقاومة والممانعة، لحجب الوجه الطائفي للصراع الذي يجد من يؤيده، سواء في المنطقة لتأكيد الذات، أو في عواصم القرار الدولية، المعنية بالتعامل مع شرق أوسط تابع وضعيف.
الأزمة السورية وتسارع التطورات
[post-views]
نشر في: 16 يونيو, 2013: 10:01 م