ما الأنفال؟ وما هو البعث ومن كان البعثيون؟؟ ولمَ حدث ما حدث في كردستان العراق نهايات القرن المنصرم؟ وكيف جرى ذبح الأمة الكردية في العراق من الوريد الى الوريد؟؟ واغتصبت النساء الكرديات في المعسكرات.. وقتل الأبناء أمام الآباء وإحراق المساجد والجوامع ون
ما الأنفال؟ وما هو البعث ومن كان البعثيون؟؟ ولمَ حدث ما حدث في كردستان العراق نهايات القرن المنصرم؟ وكيف جرى ذبح الأمة الكردية في العراق من الوريد الى الوريد؟؟ واغتصبت النساء الكرديات في المعسكرات.. وقتل الأبناء أمام الآباء وإحراق المساجد والجوامع ونسخ القرآن في قرى كردستان..و..و.
اسئلة كثيرة تضمنها كتاب (رياح السموم والأنفال) لمؤلفه عبدالله كريم محمود وترجمه الى العربية هيوا محمد رسول صدر عن دار سردم للطباعة والنشر ويقع في 744 صفحة.. وهو كتاب يعيد الى أذهان العالم جزءا من هول المآسي والكوارث التي حلت بالشعب الكردي نهاية الثمانينات على يد الجلاوزة البعثيين.. ويجيب على عدد من الأسئلة التي طرحناها..
المأساة.. جزء من تاريخ الكرد, والكوارث الكبرى تحتل جزءا آخر من تاريخ هذا الشعب الذي طالما عاش تحت وطأة حكم المعتدي والأجانب الذين لم يرحموا ولم يتوانوا يوما ما في قتله ونهبه وإيجاد السبل التي تقتلع جذوره.. لكن بصلابة جباله وقسوة طبيعته استطاع الكرد ان يقاوموا هذه الريح الصفراء ويبقوا كشوكة في عيون محتليهم.. حيث لم يساندهم سوى العزيمة الشماء والقدرة اللامتناهية على تواصل النضال والاستمرار في ثورة عمرها اكثر من نصف قرن.. مع هذا لم يبخل الشعب الكردي في الفداء والتضحية، مما أثار الدهشة والحيرة لدى اعدائه الذين استخدموا ضده أرقى أنواع التكنولوجيا لإبادته, وأشرس الحروب, من بينها الحروب النفسية.. هذا ناهيك عن حملات التطهير العرقي منذ عقود من الزمن والإبادة الجماعية المتمثلة في(الجينوسايد) والأسلحة التي حرمت دوليا.. مع هذا وذاك بقي الشعب الكردي في أرضه وبدأ اليوم يعمر ما دمرته تلك الحملات والحروب اللاإنسانية..
هذا الكتاب الذي نحن بصدد قراءته اليوم لمؤلفه او بالأحرى فلنقل لمعده السيد عبد الله كريم محمود, كتاب وثائقي تاريخي يدون حقبة سوداء ومأساوية من عمر هذا الشعب, يبدأ الكتاب بتعريف شامل لعمليات الأنفال والغاية من هذه الحملات.. ثم يأتي الكاتب على ذكر مراحل الأنفال ومواقعها منذ العام 1963 والمجازر البشرية والإعدامات الجماعية, كما ذكر الكتاب حملات الترحيل الجارية بحق الكرد الفيليين والبارزانيين وتدمير القرى والمدن والقصبات الكردية منذ بدء الثورة الكردية المسلحة وهكذا خلال سرد تاريخي سريع وصل الى قمة المآسي الكردية المتمثلة في قصف مدينة حلبجة بالأسلحة الكيمياوية اضافة الى القرى والقصبات الأخرى التي تعرضت الى الغازات الكيمياوية..
استشهد الكاتب في موضوعاته بوثائق وخرائط وعدد الألوية والمفارز المشاركة في تلك العمليات مما يثبت تاريخيا هول الجريمة من حملات الأنفال الأولى والى نهايتها-الثامنة-، حيث يصور الكاتب تلك الحملات بلغة قصصية مليئة بالفواجع ومدعمة بالأرقام والاحصاءات والوثائق بحيث يجعل من القارئ ان يتابع تلك الأحداث بشغف.. لان لغة السّرد دامغة وتجعل القارئ يتصور بأن كردستان في تلك الحقبة كانت كتلة من النار واللهيب ومر الكرد فيها بأخطر مراحلهم التاريخية..
يتناول الكاتب الأنفال من عدة نواحٍ ويبدأ بعرض جداول للقرى وعدد الضحايا التي شملتهم حملات الأنفال من الأولى الى الثامنة في منطقة بهدينان وعددهم الآلاف وتدمير 775 قرية مع ارقام واحصاءات قديمة وحديثة لتلك المناطق. خصص الكاتب فصلا للحالة التي يمر بها بقايا المؤنفلين.. ثم يأتي على فاجعة حلبجة في 16/3/1988 ويبدأ بعرض تاريخي لتلك المدينة المفجوعة وما جاورها من هورامان وشهرزور ويأخذ من اقوال من رأى الفاجعة هول تلك الكارثة اللاإنسانية معتمدا على تلك الوثائق التي استوليت عليها بعد الانتفاضة واثنائها.
يدخل الكاتب في تفاصيل تلك العمليات والغاية الستراتيجية البعيدة المدى منها وانواع الغازات المستخدمة في حينها وبقايا تأثيراتها الى اليوم..
هذا الكتاب يسلط الضوء على صناعة الأسلحة الكيمياوية في العراق والانواع التي انتجتها مصانع الاسلحة العراقية والدراسة التي أجريت فيما بعد على المصابين بتلك الأسلحة.. وظهرت في الكتاب وثيقة باسم الخبراء الاجانب الذين شاركوا العراق في تصنيع تلك الأسلحة الفتاكة, وفي المقابل ذكر القصص التي حدثت أثناء الفاجعة الكيمياوية لحلبجة وعرض صورا دامغة تثبت حقيقة تلك المأساة والحالة الهستيرية التي احدثتها هذه الغازات الكيمياوية وتلك الغازات التي كان لكل واحد منها تأثيرا بحيث يختلف عن تأثير غاز آخر وتلك الحقائق مأخوذة من أقوال الشهود الذين نجوا بأعجوبة من تلك الكارثة التي أصبحت مفتاحا لفضح تلك الجرائم المرتكبة بحق الكرد. وذكر في الكتاب أقوال الصحف والوكالات العالمية في تلك الفترة عن هذه الكارثة.
بعد ان يكشف الكتاب فاجعة حلبجة ومآسيها يعود الكاتب الى موضوع مفارز البيشمركة التي بقيت في كردستان أثناء حملات الأنفال وبعض القادة من بيشمركة الاتحاد الوطني الكردستاني منهم الشهيد آزاد هورامي والشهيد محمود مامة عةزة، حيث كانت تلك الحقبة تاريخية وبطولية في تاريخ الحركة الكردية بأكملها, وهناك مقتطفات وقصص واقعية يقشعر لها البدن, استخدمها الكاتب من مقابلات صحيفة مع من عاشوا تلك الفترة المظلمة ودونوا أحداثها اما بالصور او في مذكراتهم اليومية.. ورد في الكتاب قصص الشهداء الذين ضحوا بأغلى ما عندهم ومنهم الشهيد حسن كويستاني والشهيد حمه رش وغيرهما من الشهداء الأبطال. هذا الفصل المختص بالمفارز التي بقيت تناضل وتحارب العدو فيه الكثير مما يثبت صلابته وعزم الكرد على مقاومة الغزاة والطامعين في حين كان العدو وجيشه يعدان من اقوى انظمة العالم المدعمة من قبل الشرق والغرب وجيشا من افتك جيوش العصر الحديث ولكن هؤلاء الرجال ضربوا بتلك الحقائق عرض الحائط وحاربوا بسلاح افتك واقوى الا وهو سلاح الإيمان والعقيدة وهذا لا يوصف بالكتابة وانما بالقراءة المتأنية لهذا الفصل يجعل من قارئه ان يتيقن بأن الكرد لهم عزيمة لا تلين وخير شاهد على ما اقول هو هذا الفصل الذي لم أقرأه في كتب الثورات والحركات للشعوب الاخرى, هذه المقاومة لم تكن أقل شأنا من مقاومة الفيتناميين واهل كوبا وشيكاغو ولكن مع الأسف لم تدون تلك الأحداث بالشكل المطلوب، وأصبحت الحقائق مدونة فقط في صدور وذاكرة من عايش تلك الحقبة, فأسطورة الشهيد ريباز ورفاقه البيشمركة تكمن في طياتها مئات القصص البطولية التي رفع عنها الستار هذا المؤلف وهو الكاتب عبدالله كريم محمود من خلال البحث والمتابعة المتأنية عن الحقائق فقدم خدمة للتاريخ الكردي بكشف النقاب عن تلك البطولات الفذة.. وفي سرد حقائق تلك الفترة ايضا سلط الأضواء على جوانب مهمة من حياة الشهيد غريب هلدني الأسطورة الأخرى من أساطير الاتحاد الوطني الكردستاني وملاحمه البطولية التي يقف التاريخ حائرا أمام ما قدمه هذا البطل ورفاقه..
لم أتصور من قبل بأن الطاقة البشرية بمقدورها ان تقدم كل هذه العجائب والفداء في سبيل إنجاز الواجب الوطني.. ولكن في متون هذا الكتاب(رياح السموم والأنفال) يحصل المرء على عظمة الإنسان الكردي وكبريائه وتضحياته ودناءة أعدائه وجبروتهم على الشعب الآمن والنساء والأطفال, فهذا الكتاب شبيه بفيلم تاريخي حقيقي يكشف النقاب عن مقاومة شعب مظلوم لأشرس أنواع الشر وألد أعداء الإنسانية.. فمن لا يقرأ هذا الكتاب لا يصل الى الحقيقة التي أريد البوح بها.
لا يبقي الكتاب أدنى شك لإثبات الحقائق التي وردت في متنه وذلك من خلال الوثائق والأفلام والصور التي حصلت عليها قوات البيشمركة أثناء الانتفاضة الخالدة منها الكاسيتات التي سجلت أثناء اجتماعات قادة حزب البعث واعترافات علي حسن المجيد باستخدامهم للأسلحة الكيمياوية وحملات الأنفال بالتاريخ والصوت والصورة.. حيث يتلمس القارئ من تلك التهديدات ما كان ينتظر الشعب الكردي من قبل جلاوزة وسفاحي العصر الحديث..
حصل الكاتب على العديد من صور الشهداء وأسماء العديد من الضحايا، حيث دونها كوثيقة تاريخية لا تقبل الشك والريبة.
اختتم هذا الجزء من كتابه بفصل عن الأنفال ومأساة الكرد باللغة الانجليزية كمصدر مهم لمتابعي وباحثي الأنفال ممن لا يجيدون اللغتين الكردية والعربية.. خصص نصف كتابه هذا للوثائق والكتيبات الرسمية لرؤوس النظام وأسماء الشركات الأجنبية التي ساعدت النظام, فالوثائق تنطق وحدها كدليل دامغ على صحة ما قيل في متن الكتاب. هذا الكتاب جدير بالقراءة للباحث والقارئ، وهو تدوين جزء من تاريخ الكرد بشكل وثائقي, حيث يظهر من خلال ما جاء فيه بأن المعد عبدالله كريم محمود جمع من خلال البحث وتقصي الحقائق وبالتالي انتج شيئا مليئا بالحقائق والوثائق واغنى به المكتبات الكردية الفقيرة..