قبل عقدين من السنين ، ظهر بطل احدى المسلسلات التاريخية العراقية وهو يرتدي ساعة يدوية في يده حين رفع يده ليأمر جيشه الإسلامي بالتقدم ..وفي مشهد آخر ..كان هناك غلاف علبة سكائر (سومر ) على ارض المعركة التي جرت قبل قرون...وقتها ، شعرنا نحن المشاهدين بأن الممثلين والمخرج يهزأون بنا لكننا وامام تبريرات كادر العمل عن ضعف الجانب الإنتاجي وقلة الدعم وغير ذلك من التبريرات التي كانت ترافق كل عمل فني دون المستوى تقبلنا اعذارهم ..
كان ذلك قبل عقدين من الزمان حين كنا أهدأ بالاً واكثر أماناً ويمكننا ان نعذر ممثلا اخطأ في عمل فني ..اليوم امامنا ممثلون من نوع آخر على المسرح السياسي ونحن تحولنا الى مشاهدين متوترين ، محرومين من الامان ومعرضين للخسائر على الدوام لذا لم تعد لدينا القدرة على المسامحة واعطاء العذر لمن يخطئ في حقنا ويهزا بنا ..ممثلو اليوم يهزأون بنا ..يقفون خلف ستار المسرح ليحركوا الاحداث فيصعدون ازمات ويقسمون ادواتهم الى فرق متناحرة محاولين اقناعنا نحن المتفرجين بصمت ، لنقف خلف من ينجح في اقناعنا بقدرته الفذة على التمثيل مستخدمين كل الحيل الاخراجية والوسائل المسموح بها اوالخارجة عن الاصول والآداب احيانا لكن وسائلهم برمتها لم تعد تنطلي على المشاهد الذي عركته الدنيا فصارت لديه قدرة عبقرية على التحليل والتكهن بالاحداث ..
مؤخرا عشنا احداثا واقعية لفيلم ماساوي قتل فيه المئات واصيب مثلهم بعاهات وعوق دائمي بعد سلسلة من الانفجارات والاغتيالات بالكواتم وتصاعدت الاحداث لتبلغ ذروتها حين اشرف العراق (بطل الفيلم ) على الوقوع في براثن فتنة محققة ونهاية حزينة ، وفجأة ظهر الممثلون الرئيسيون في الفيلم ليبتسموا للمشاهد ويتعانقوا في مشهد تدمع له العيون لأن العراقيين عاطفيون جدا واعتادوا البكاء في الفرح كما الحزن ، وهكذا حاول كادر الفيلم ان يختمه بنهاية سعيدة ، لكن المشاهد الذكي لم يقتنع ابدا بما آلت اليه الاحداث وشعر مرة اخرى بان هناك من يهزأ به ، ليس بارتداء ساعة يدوية او تدخين سكائر سومر في عصر الاسلام في عمل فني بل بارتداء اقنعة البراءة في زمان القتلة – كما يقول الشاعر الفرنسي رامبو – ..
ممثلوهذا الزمان حاولوا ان يتقنوا فن خداع المشاهد قبل كل شيء فظهر علينا من كان يرتدي الجينز ويحتضن جميلات اوروبا وهو يرتدي عمامة وقفطاناً يناسبان الموضة ، ولفلفت من كانت تهوى الازياء العصرية نفسها بعباءة تنفعها في رحلة طموحها السياسي ، وعمد آخر الى طبع علامة على جبينه تعكس سجوده الطويل ..كما اطلق بعضهم حنجرته الذهبية في ساحات الاعتصام لا ليطالب بحقوق المعتصمين بل ليقنع المشاهدين بقوة ادائه ..
المشكلة ان اغلب ممثلينا انتهجوا ( التديّن ) أسلوباً لادائهم لكنهم بالغوا في تمثيلهم فصار الدين بايديهم اداة للتصفيات السياسية والقتل واشباع الغرائز والفساد الاداري وصار تمسكهم به مهزلة اخرى تثير سخريتنا وبالتالي صار حاجزا بينهم وبيننا فلم نعد نثق بعمائمهم ولا بمسبحاتهم الطويلة لأنهم حولوا الدين الى رداء فضفاض يمكن لكل منهم تفصيله على مقاساته ..
مشاهدواليوم لن يقتنعوا باداء الممثلين من الساسة المتدينين منهم وغير المتدينين لأنهم يبحثون عن واقع افضل وعن نهاية سعيدة بعد عشرات النهايات المأساوية ، وازمة راح ضحيتها المئات وابتدأت بتبادل التهم والشتائم ثم انتهت ب(بوسات ) و(عناق ) هي مهزلة ادهى من مشاهدة قائد تاريخي يرتدي ساعة يدوية ويدخن سكائر (سومر )!!!