بين يدي الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني، الكثير من الملفات الداخلية المحتاجة لحلول سريعة، لعل أبرزها الوضع الاقتصادي المتدهور، الذي ينتظر إبداعاً في التعامل، نأمل أن يكون بمقدور روحاني التعاطي معه بإيجابية، مع معرفتنا بأن تدهور ذلك الاقتصاد ليس نابعاً من عوامل ذاتية، بقدر ما هو نتيجة للعقوبات الدولية المفروضة على إيران، بسبب ملفها النووي المثير للجدل، والمرفوض غربياً، ما يعني ضرورة الحل السريع لعلاقات بلاده الخارجية، ليكون ممكناً له بدء رحلة طويلة، لإعادة العافية للاقتصاد، وبما يسمح له بتنفيذ بعض وعوده الانتخابية.
لم يعلن روحاني حتى اللحظة، عن أي تغيير في سياسات الجمهورية الإيرانية تجاه محيطها العربي، وهو تلقى تهنئة لافتة من دول الخليج، وتذكّر البعض مواقف إيجابية له تجاه السعودية على سبيل المثال، حين عقد معها اتفاقية أمنية، لكن المهم اليوم سماع موقف جديد من قضايا مركزية في تلك العلاقة، أبرزها وأكثرها إلحاحاً الأزمة السورية، وإمكانية انخراط طهران عملياً وبشكل جدي، في البحث عن حل سلمي لها، يأخذ بالاعتبار مصلحة الشعب السوري، قبل الالتزام الجامع بمصلحة وتثبيت النظام الحالي، والذي يرى فيه كثيرون ترجمة لموقف طائفي، سيأخذ المنطقة إلى منزلقات خطيرة وقاتلة.
والقضية الثانية متعلقة حتماً بالأولى، وهي الدعم غير المحدود لحزب الله اللبناني، خصوصاً لجهة تدخله عسكرياً في الأزمة السورية، على أسس طائفية معلنة، كحماية المراقد الشيعية المقدسة، والدفاع عن أبناء الطائفة الشيعية، ما استدعى ردود فعل شملت الكثير من المنتمين للطائفة السنية، صحيح أن هناك بين المقاتلين في سوريا ضد الأسد من يعتبر نفسه مجاهداً ضد "العلويين والنصيريين الخارجين على الإسلام"، لكن المؤكد أن هؤلاء لا يمثلون الشعب السوري الطامح للتغيير، وهو المضطر اليوم لدفع ثمن تطرفهم، بمواجهة دامية مع تطرف مضاد يقوده حزب الله.
ليس سراً أن إيران وهي ترى في نفسها المسؤول عن أبناء الطائفة الشيعية حيثما يكونون، مع التحفظ على هذا الفهم، تدخلت في الكثير من البلدان العربية، دعمت الحوثيين في اليمن، وشجعت على توتير الأوضاع في البحرين، وليس سراً أن هذه السياسات لاتحظى برضى الأنظمة السنية الحاكمة، وأن هذه الملفات تحتاج لمراجعة متأنية، تأخذ بالاعتبار مصلحة هذه الأقليات في التعايش مع محيطها السني، ومصلحة المواطن الإيراني في عدم تبذير ثروته على قضايا، لن يعود أمر إثارتها بالخير على المنطقة وساكنيها.
ندرك طبعاً أن روحاني ليس صاحب القرار الأخير في السياسة الخارجية لإيران، وأن المرشد الأعلى هو من يرسمها ويحدد تفاصيلها، ودائماً على أساس أنه قائد الأمة والمدافع عن حقوق أبناء طائفته، لكننا نأمل أن يغتنم الرئيس المنتخب زخم التأييد الذي حصل عليه، ليضع بصمته على تلك السياسات، باعتباره رجل دولة مارس الدبلوماسية خلال تاريخ عمله "جندياً" في الثورة التي قادها الخميني الراحل، والمحتاجة بعد عقود من نجاحها في إطاحة الشاه لمراجعة شاملة، تأخذ بالاعتبار المتغيرات على الساحتين الاقليمية والدولية.
حتى لو كان التغيير في سياسات إيران تجاه جيرانها العرب شكلياً، فإن مجرد التخفيف من حدة التوتر، سيكون في صالح الأمتين الجارتين، ولنأمل خيراً.
روحاني والعرب.. هل من جديد؟
[post-views]
نشر في: 17 يونيو, 2013: 10:01 م