في موسوعته روح الشرائع يكتب "مونتسكيو" لاتستقر بلاد ينجو فيها المجرم بمساعدة القانون.. تذكرت هذه الجملة وأنا أرى صفقة الأسلحة الروسية يتم التغطية عليها باسم القانون،.. واصحابها يبتسمون من على شاشات الفضائيات، فيما العدالة حتى هذه اللحظة لم تتحرك، ولم تر فيهم مجموعة من اللصوص استغلوا مناصبهم في السحت الحرام.. وهذا يعني أن هناك من منع وسعى وصمم من أجل أن لاتصل الحقيقة إلى أروقة العدالة، وهناك من أصبح سدا منيعا بوجه فتح ملفات الفاسدين والمفسدين، وهناك من أراد لها أن تبقى جريمة عائمة يتحدثون عنها في البرلمان ومن على الفضائيات، ولكن لا وجود لها في سجلات المحاكم، جرائم ترتكب ولم يخرج رئيس مجلس الوزراء من أجلها ليرسل قواته الذهبية لاعتقال المشتبه بهم، ورغم أن الجرائم لم تحدث في الظلام.. وإنما أمام سمع العراقيين وأبصارهم.
في كل حديث عن القانون والدستور نجد رئيس مجلس الوزراء يتحدث عن ضرورة الاحتكام للقضاء، ويلوح بسيف العدالة في مواجهة الآخرين.. فيما نراه في قضية الأسلحة الروسية وفساد العديد من مجالس المحافظات، يسعى لأن يضع القانون في أحد أدراج مكتبه ويغلق عليه بالمفتاح لأن الأمر يتعلق بالمقربين والأحباب!
ما حدث في صفقة الأسلحة الروسية، وبعدها في تبرئة مشعان الجبوري ، درس لنا جميعا لكي لا نأمل بإصلاحات ديمقراطية، ولا قوانين تصب في مصلحة الناس، طالما أنّ البعض مصرّ على أن نبقى نعيش زمن القبضة الحديدية.. هذه القبضة التي ترى في عالم ومفكر بحجم مظهر محمد صالح مجرما، بينما ترى في المقربين من الحاكم ملائكة يحلّقون بأجنحة بيضاء، وجوههم سمحة لا يأتيهم الباطل من خلفهم ولا من أمامهم.. ولهذا كان لابد أن توجه الحكومة مدافعها ضد خبراء البنك المركزي.
لا نناقش هنا صحة الاتهام الذي وجهته الحكومة للبنك المركزي من عدمه، فقط أنا أتحدث عن المنهج والطريقة التي تعامل بها مقربو المالكي مع سنان الشبيبي ونائبة مظهر محمد صالح، فالقرار الذي اتخذ باعتقال مظهر محمد صالح دون أن يسمح له بتوضيح وجهة نظرة أو أن يقدم أدلة براءته، يؤكد بالدليل القاطع أننا نعود بقوة إلى أجواء ما قبل 2003، حيث يعاود مؤشر التفرد بالسلطة إلى الارتفاع، من خلال إغراق الناس في خطب متحذلقة، فاقدة للمعنى والثقة، خطب وقرارات تجعل المواطن يشعر بالأسى وهو يرى إصرار مسؤولي الدولة الكبار على إفراغ البلد من أصحاب الكفاءات والخبرة، وحيث يجد مظهر محمد صالح وأمثاله أنهم في مواجهة سياسيين يكرهون أوطانهم.. في الدول التي تحترم إرادة مواطنيها نجد مؤسسات الدولة تكرم علماءها ومبدعيها من خلال الحفاظ عليهم باعتبارهم عملاتٍ نادرة الوجود، فيما نمارس نحن سياسة الجدل السياسي الفارغ الذي يفسح المجال للمحسوبية والمزاجية في الإدارة التي تهدم أكثر ممّا تبني..
لعل قمة التناقض والازدواجية، أن نجيّش الجيوش ضد عالم وخبير اقتصادي كبير لمجرد أنه عمل ومعه أساتذة كبار على إبعاد البنك المركزي عن حظيرة الحكومة، ونضع رؤوسنا في الرمال ونحن نرى ثروات البلاد تنهب.. وخيراته تسرق وسط خطب ثورية عن الإصلاح والدستور والقضاء يلقيها علينا المالكي ومقربوه صباح كل يوم.
لا أريد أن أتدخل بقرار القضاء، لكن المصلحة تقتضي إبعاد الاجتهادات الشخصية، وأن لايستخدم القانون استخداما سيئا.. تبرئة مشعان الجبوري، وغلق ملف الأسلحة الروسية، والسكوت عن مخالفات وسرقات يتم باسم القانون ومعرفته ايضاً.
ولهذا وجدنا من لديه القدرة على عدم الاعتراف بقرار المحكمة الاتحادية الذي نص على الاستقلالية المالية والإدارية للهيئات المستقلة.. ونص أيضا على أن لا يحق لأحد التصرّف بالبنك المركزي .
إنّ ما جرى في قضية مظهر محمد صالح، يثبت أنّ هناك إرادة سياسية أصرّت على تغيير المسؤولين في البنك المركزي والاستعانة بغيرهم، يتمتعون بالولاء لمكتب رئيس مجلس الوزراء، وقد تم هذا الأمر على حساب الكفاءات والنزاهة لشخصيات لها باع طويل في العمل الاقتصادي".
لقد بات واضحا أنّ من لديه القدرة على أن يتلاعب بالقانون.. ويحرك الملفات مثلما يشاء، يحق له بالتأكيد أن يتهم مظهر محمد صالح ومعه كل خبراء البلد وأن يرميهم في أقرب مركز شرطة .
وأخيراً كل ما نتمناه من القضاء أن يكون أكثر وضوحا وشجاعة في قراراته وتوجهاته، وعليه أن يخبرنا بكل صراحة لماذا يقدم مظهر محمد صالح إلى المحكمة، بينما ينام رجل سخّر قناتة الفضائية لشتم العراقيين والتحريض على قتلهم في حضن الحكومة؟!
قضاء يطارد الشبيبي ومظهر .. وحكومة ترفع صور مشعان
[post-views]
نشر في: 18 يونيو, 2013: 10:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 5
رمزي الحيدر
ستتذكر الأجيال القادمة فترة الانحطاط في العراق ، القسم الأول منها بقيادة الدكتاتور صدام حسين ، والثانية بقيادة الإسلام السياسي .
عامر المدني
لا فض فوك من سينقذ العراق واهله من هذه الشراذم والافات القاتلة اصبح الامر واضح ومكشوف كيف يدمر بلدنا الحبيب وبمسميات هوجاء وعقول تعسة ننادي الشرفاء وكل الاحرار بان لا نسكت ولسنا افضل من الذي سبقنا حين قدمو ارواحهم رخيصة للعراق تعالو نفضح ونحارب حتى ولو كل
كاطع جواد
لم نحصل بعد على قضاء مستقل للاسف الشديد ، في زمن الطاغية صدام كان رجل القضاء مسلوب الإرادة ، كان يؤتى به في أنصاف الليالي ليوقع قرار الاعدام وهو يرتجف من شدة الخوف ، كان العراق يحلم بفصل السلطات والحصول على قضاء مستقل ساهرا ومدافعا عن حقوق العراقين لكن ي
ابو احمد
عندي هاجس يقول بأالاميركان من شجع المالكي على ابعاد الشبيبي والهدف ابعاد كل الكوادر من اي موقع وهذه سياسه تهدف الى عدم نهوض العراق ومن المؤكد هذه رغبه اسرائيليه فلااعتقد بلأننا سنرى يوم الانسان المناسب في المكان المناسب وقبل الانسحاب الاميركي كانت هناك حم
suhail hadi kubba
الامر والادهى من كل ذلك ، ما زال البنك المركزي العراقي يمارس ذات السياسية النقدية التي صممها الكتور مظهر وباركها الدكتور الشبيبي وبنفس الادوات فاين الفساد في ذلك اذا كان في النظام السابق قانونا للتحويل الخارجي لا يجيز للافراد او الشركات نقا او تحويل اي م