TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عودة للبدائية

عودة للبدائية

نشر في: 18 يونيو, 2013: 10:01 م

 

 لقناعة الكثير من العراقيين بان فرصة العيش في مستقبل زاهر بلون وردي وليموني ، اصبحت من المعجزات ،  ولم تتحقق حتى في الاحلام ،بفضل جهود "الخيرين من ابناء هذه الامة" على التمسك باهدافهم ومكاسبهم ، وتجاهلهم  تلبية مطالب الشعب في توفير الخدمات والحفاظ على امنهم ، ومع مواصلة "المسيرة الثورية " نحو الوراء على طريقة "البعران"  لم يعد هناك من خيار سوى العودة الى البدائية  بكل مظاهرها لمن يريد الحفاظ على  حياته ،  للابتعاد عن مخاطر الحضارة بكل اشكالها التي جربها الكثيرون في العراق ، ولمسوا تطورها وتقدمها في استخدام اجهزة التعذيب  لاجبار المعارضين على اعلان الولاء المطلق  لمن يقود السلطة وحزبه الحاكم ،  واعلان البراءة ، وهذا السلوك الراسخ في ذاكرة  من خاض معترك العمل السياسي في بلد قدر له ان يعيش وعلى مدى عشرات السنين على فوهة بركان ، انتقل الى الجيل الحالي  لتفادي  تكرار التجربة والابتعاد عما تعرض له الاسلاف ، ليس امام الجيل الحالي  سوى التوجه  الى البدائية بالرحيل الى المناطق الصحراوية  واختيار طريقة عيش الاجداد الاوائل ، بنصب الخيام واداء طور العتابة  والنايل على انغام الربابة   والتخلص نهائيا من "وجع الراس" اليومي ومتابعة الفضائيات وتصريحات السياسيين والمسؤولين.
 العودة الى البدائية او البداوة  فيها فوائد كثيرة في مقدمتها  التخلص من ضجيج وصخب المدينة ، وزعيق سيارات الدفع الرباعي ، والتخلص نهائيا  من الحاجة للطاقة الكهربائية ، وتناول اطعمة نباتية  تمنع حصول ارتفاع ضغط الدم والسكر ، وتسوس الاسنان والتهاب القولون المزمن ، ومواجة قساوة الطبيعة من غبار وجفاف وحرارة مرتفعة بقلوب مؤمنة بقدرها  والفائدة الاخرى الكبيرة جدا ، الاستغناء بشكل نهائي عن  الاجهزة الامنية فلا حاجة  لوجود عناصر الجيش والشرطة في  تجمعات صغيرة  لا تضم كيانات سياسية متنافسة ومتصارعة للحصول على السلطة .
 يقال ان الشعوب المتحضرة في بعض البلدان،  تخلت نهائيا عن رجال الامن،  الا باستثناءات  قليلة  جدا تتعلق بمواجهة نشاط المجاميع الارهابية القادمة من الخارج ، وعندما يختار  دعاة العودة الى البدائية الصحراء ملاذا امنا دائما لهم ،  سيعطون صورة مشابهة  لحال السويسريين   في المضمون فقط،  وليس بالشكل، لان الفارق كبير ولامجال للمقارنة  ، والقاسم المشترك  الوحيد هو الاستغناء عن الجهد الرسمي في حفظ الامن .
يتطلب خيار العودة الى البدائية للتخلص من هموم الحياة اليومية ومعاناتها خطوة جدية من الراغبين في خوضها في التخلي اولا عن وسائل الاتصالات الحديثة ، واعتماد" الطروش" في ايصال الرسائل والاخبار لمن يفضل المكوث  في مدينة  شبه خالية من السكان ،  باستثناء من يتولى ادارة بقايا مؤسسات رسمية تتطلع الى عودة  المهاجرين الطوعية لاحالتهم الى استجواب   وتحقيق للتعرف على اسباب  ا ختيارهم مناطق حدودية مع دول لطالما اعلنت العداء للتجربة الديمقراطية في العراق.

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. خليل النعيمي

    تدري اني شلون ارتاحيت اشتريت كارت الجزيرة وصرت رياضي بدل بدائي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram