شهدت الحياة السياسية، خلال السنوات العشر من عمر "العراق الجديد"، تساقط آمالٍ وتمنيات، خسر تحت ثقلها العراقيون رهانهم على أحزاب وقوىً وشخصيات، عادت من المنافي ومن خطوط النشاط السري، ولم تلتزم بمواصلة سيرتها النضالية التي سبقتها أو التي عرف عنها، من ال
شهدت الحياة السياسية، خلال السنوات العشر من عمر "العراق الجديد"، تساقط آمالٍ وتمنيات، خسر تحت ثقلها العراقيون رهانهم على أحزاب وقوىً وشخصيات، عادت من المنافي ومن خطوط النشاط السري، ولم تلتزم بمواصلة سيرتها النضالية التي سبقتها أو التي عرف عنها، من التفاني في حمل قضايا الناس وهمومهم المتراكمة عبر تعاقب الأنظمة الدكتاتورية والمستبدة، حتى انسد أمامهم باب الرجاء والأمل، أو كاد.
وقد تعرف العراقيون خلال العقدين من عمر "الجمهورية الثالثة" على وجه لا يجمعه جامعٌ مع ما قيل من مآثر وقيم وتضحيات الأحزاب والكتل والشخصيات التي تولت مقاليد الحكم وإدارة الدولة الناقصة تكويناً. إذ لم يُعرَف عن هذه الأحزاب وكوادرها وقادتها غير البسالة والإيثار والتضحيات، والبذل في مواجهة الدكتاتورية.
لكن تجربة الحكم المريرة العجفاء منذ سقوط الطاغية المنهار، كشفت وجهاً مشوهاً منطوياً على كل ما هو متناقض مع الماضي المجيد لهؤلاء الحكام وأحزابهم. فلم يشهد العراق منذ تأسيس الدولة الحديثة، انقلاباً في القيم ونهباً للمال العام وفساداً في الضمائر واستهتاراً بمصالح المواطنين، كما هو الحال اليوم، حتى باتت "المرجعية الدينية" في النجف في حالة من اليأس من جدوى النصح، فاختارت النأي ورفضت التعامل مع الحاكمين تعبيراً عن موقفها وإدانتها للسياسات والتدابير الفاسدة.
ويخطئ من يظن، أن هذا التفسخ في الحياة السياسية وفي أحوال وتحولات الأحزاب وقادتها والنخب الحاكمة، يصب لصالح أي طرف وطني، أو يعكس أماني الناس ممن ذاقوا الأمرين، وباتوا طوال عقود، اسرى أملٍ ممض. بل ليس بين الناس من لم يعلق الآمال على "العراق الجديد" وقادته الذين تخرجوا من مدارس النضال على اختلافها.
وقد يبدو ملفتاً أن حزباً بقامة حزب الدعوة المشهود له بالتضحية، يبقى وكأنه غريب عن المشهد السياسي الراهن وما يجري فيه من حراك، وما يشوبه من مظاهر وتحديات في غاية الخطورة، وزعيمه هو من يترأس الحكومة وينفرد بإدارة الدولة المستلبة، حيث تتفكك مؤسساتها وتتراجع فيها كل مفاصل الأمن والخدمات والاقتصاد والقضاء ومصالح الناس بكل جوانبها.
وتزداد الحيرة من هذه اللامبالاة، خصوصاً بعد الخسارة الفادحة للحزب وواجهته في الانتخابات المحلية، والتراجع الملفت في مزاج المواطنين، حتى في معاقل الحزب. كما يبعث على الحيرة، عدم صدور أي موقفٍ تقييمي من قيادة الحزب، حول التطورات السلبية العاصفة في الوضع السياسي التي وضعت البلاد في مواجهة خياراتٍ أفضلها مشبعٌ بمزيد من احتمالات التدهور والانحدار.
تُرى هل المراجعة والنقد وإعادة تقييم المواقف والأدوار للهيئات والقيادات في عرف هذا الحزب، ضربٌ من الترف السياسي؟
أم أن مثل هذا الإجراء يتطلب جرأة تنحسر عن المناضلين مع تحولهم من مواقع المعارضة إلى كرسي الحكم؟