رياض النعماني الثقافة نشاط خلاّق تقوم به روح فريدة، تحاول وبطاقة المصلحين الكبار ـ إصلاح التاريخ في مستوى خطئه الأول الذي استمر في تراكم أدى إلى خلق بنى تتحكم اليوم في صياغة سياسة ووعي، وخطاب الواقع الذي نحياه الآن.
إن ثمة مهمة نبوية لها علاقة خاصة في معنى العالم، وكرامة الإنسان ووجوده الحي، وفي بهاء الوجد وتحقيق العدالة والجمال والحق هي التي تحرك روح هذا الكائن الكوني ـ القطباني فيندفع ـ دون حساب للربح والخسارة ـ في طريق الصراع إلى ينابيع الحقيقة الأولى. انه وهو في طاقة إندفاعته القصوى هذه لا يفكر بالتنازل عن سلطته لأية سلطة (سلطة المال أو الدين أو السياسة).. إنما يقف وحيداً في ميدان الصراع مرفوعاً على تصميمه الأكيد وإرادته العالية ورؤاه التي تملك بزمام التاريخ وتوجهه. فـ (البعض من البشر، يكمل جهد الخالق) كما يرى برغسون.. إذ إنه .. جاء ليعدل اعوجاج عصره، ويقول الذي لا يقال ولا يمكن إن يقال في فضاء من فكر ووجدان ناصع يعيد طرح الأسئلة الأولى على الوجود والأشياء وعلى ذاته هو.. ذاته التي تتفتح في سياق يرى في تكاملها مع الآخر مبرراً أولاً لوجوده الأعمق والمشروع، بل انه يؤمن إيمانا كاملاً بان هويته الحقيقية لا يمكن ان توجد إلا في وجودها في ذات هذا الآخر الذي يرى في مراياه ذاته وحقيقته هو. الجدل الواضح الذي ينبغي إن يغني الحياة ويطورها ويدفعها بقوة المعرفة الخلاقة في طرقات الكشف والتجاوز والبحث عن الحقيقة ينبغي إن يقوم بين السياسي وبين المثقف في مناخ عال من إرادة البناء وتطوير الواقع وتغيير عادات التفكير القديمة والإشكال والأساليب التقليدية بخطاب يرى في إعلان القطيعة مع الجانب الميت من التراث في قراءة جذرية تلتقط الإشارات والاضاءات التي لا تزال تمتلك قوة حضور وطاقة على الحياة تستطيع إن تحاور مشاكلنا الكيانية الكبرى، وتضيء وجودنا العميق اليوم.. الإصغاء والتأمل وإعادة طرح الأسئلة الوجودية الكبرى على كل شيء وفي كل شيء هي أهم تجليات وجود المثقف الناضج الذي نلمس في ممارسته الفكرية انفتاحاً وحضوراً فاعلاً.. خلاقاً للمستقبل،.. مثل هذا الجدل الناضج فهل يرى السياسي وخاصة العراقي ذلك ويؤمن به وبهذه الرؤية والطرح. هل يمتلك السياسي إمكانية قبول قناعة المثقف الذي يعتقد بان للحلم طاقة وقدرة على كشف الحقائق الجوهرية التي تضيء المستقبل وتبدعه أيضا؟ أرى في تكامل المشروع التاريخي لجهد المثقف والسياسي طريقاً عظيماً وأكيدا ليس فقط لبناء حياة حرة وكريمة وتليق بفطرة الكائن على الأرض وإنما لحيازة شروط وامكانات تفتح عظمى لمعرفة الكون واكتشاف المجهول وابتكار مستوى من الوجود تنعدم فيه شروط القهر والتخلف والردة واليأس والخيبة وتحفظ وتتقدم بدلاً من ذلك وتزدهر قيم الأمل والفرح والمسرة والفطرة السليمة التي تعيد للإنسان بياضه الأول ودفئه وكرامته ووجدانه الأول. تعيده إلى الأول الذي فيه تعيده إليه.
جدل الحياة
نشر في: 2 نوفمبر, 2009: 04:53 م