TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > اتجاهات نوبل

اتجاهات نوبل

نشر في: 2 نوفمبر, 2009: 04:54 م

محمد خضير حدثان بارزان، في الشهريين الماضيين، قلبا توقعات المراصد الشرق/عربية، وأدارا الوجوه نحو أكبر محفلين عالميين، منظمة اليونسكو وأكاديمية نوبل، صوتا لامرأتين من الشطر الشرق/أوربي، كي تمثلا تفوق الديمقراطيات الجديدة على الديمقراطيات القديمة.
ربحت إيرينا بوكوفا البلغارية أصوات منافسها فاروق حسني، وزير الثقافة المصري، وفازت بمنصب المدير العام لليونسكو، بينما اختطفت هرتا مولر الألمانية/الرومانية الأصل جائزة نوبل للآداب من مرشحي القائمة الخمسة المنتظرين فوزهم منذ أعوام. أسقطت سفيرة (الستار الحديدي)، وأديبة الأقليات المحرومة، هيبة القاموس المطعّم بألفاظ الغلبة والسيطرة والاختطاف، وخالفتا توقعات الخاسرين المتدافعين على أبواب المحافل العالمية العظمى. لم يكن فوزهما كأي فوز، ولا غلبتهما كأي غلبة، بل علينا أن نحتاط لألفاظنا كي ننتقل مع الفائزتين إلى المرحلة الجديدة لعالم بلا تكتلات أو لغات متحجـرة وراء سُـتُر عالية. عاشت مولر بين أقلية ألمانية، في بلد كان جهازه الأمني يتلصص على النصوص المعزولة عن الأغلبية القومية، تلك المكتوبة بلغة الذات المطرودة، لغة اليوميات والشعر والرواية الانشقاقية. هربت مولر من حاضنها الغريب وعادت إلى حماها الألماني، بينما هاجرت بوكوفا في الاتجاه المعاكس لموطنها الأصلي وتقدمت أميالاً نحو باريس لتجمع بين مزايا الهويات الغالبة والهويات المغلوبة، وتلتحق بمواطنها تودوروف الذي حاز مثلها مزايا الهويات العابرة، ومعرفة الآخر الكافية لاختراق منظومته الفكرية واصطلاحاته النقدية. انتظرت مولر أن تأتيها جائزة نوبل إلى عقر دارها، أما البلغاريان الجريئان فقد قصدا باريس ليأخذا حقهما من الاعتراف بمكانتهما العالمية. إنهما خطوتان متعاكستان فكتا قوسي الإشكالية الإنسانية الممهورة بارتباط الوطن الأبدي، أو بحرية الانتقال بين الأوطان البديلة. ويبدو أن أكاديمية نوبل ستشجع على فتح أقواس إشكالية أخرى تردف بها هاتين الخطوتين، عندما تختار مستقبلاً أسماء متوارية وراء شرطها الإنساني النازع للانشقاق على حدود المكان والهوية واللغة والنوع الأدبي. عانت هرتا مولر تبعات الشرط الروماني منذ ولادتها في 17 آب 1953 بين أقلية ألمانية تقطن قرية صغيرة غربي رومانيا. وبالرغم من انتقالها إلى ألمانيا عام 1987، ونيلها الجوائز هناك، إلا أن حياة القهر والضيق والاحتقار في الوطن الحاضن، سدت عليها منافذ الخبرة الإنسانية داخل هذا القوس نهائياً ((ببساطة الحياة في ألمانيا التي تبعد مئات الكيلومترات لم تمح خبرتي الماضية. لقد حزمت ماضيّ عندما غادرت)). ضُيق عليها وطُردت من المصنع الذي تعمل فيه، وأُرسلت أمها للخدمة في معسكرات العمل في أوكرانيا، وكان هذا كافياً لاحترافها الكتابة ((كان عليّ تعلم الحياة عبر الكتابة، وليس الطريق الآخر)). والطريق الآخر هو الهرب أو القبول بتوافه الحياة داخل الشرط القمعي. وذلكم هو شرط الاعتراف بالأدب الانشقاقي الذي شمل باسترناك وسولجنتسين وايمري كيرتيس وكونديرا ثم مولر، وكلهم هرّب كتبه لتُنشر خارج القوس الحديدي بمختلف اللغات. وكلهم عاد للارتباط بهذا القوس عندما تغيرت الشروط. عادت كتب هرتا مولر إلى رومانيا، وخاصة أشـعارها، المؤلفة بطريقـة الكولاج. ((لا يمكنك تغيير أي كلمة في كتابة الكولاج. هذا ما يجعل الكولاج قريباً من الحياة. لا يمكنك إعادة الماضي، لا يمكنك محو القصيدة كما يمكن أن تفعل هذا مع أي قصيدة عادية)). هنا ينبغي علينا الانتباه، ومراقبة اتجاهات الأكاديمية السويدية، في أعقاب انهيار جبل حديدي أو سقوط جدار عازل، وابتداء مئوية جديدة. ما أن تدخل الجائزة بلداً حتى تغير اتجاه أدبه وتمسح آثار الإثم والعار عن جباه أدبائه الانشقاقيين الرازحين تحت ثقل الواقعيات الكولنيالية والدكتاتورية، ورمزيات النظم الكلانية والبدائية، وحتميات النظريات التاريخية. كانت الجائزة بمقاس غونتر غراس الذي لخص (مئوية) ألمانيا عاما بعد عام حتى نهاية القرن العشرين، وهي اليوم بمقاس مولر التي افتتحت أعمالها عصر الديمقراطيات الجديدة. وذلك التلخيص الختامي طبقه ماركيز في مذكراته عن منطقة البحر الكاريبي عندما مرّت به الجائزة. كما أنهتْ الجائزة عصر (المفكرات الذهبية) الكولنيالية بعد أن حطّت على دوريس لسنغ وج. كوتزي الطالعين من جنوب إفريقيا. واقتصرت أعمال كنزو بورو أوي الياباني على نقد الواقع الرازح تحت إثم الهزيمة الحربية. كما إنها قضت على آمال كاواباتا في بعث الجمال المحتضر في الأدب الياباني الكلاسيكي. انتحر كاواباتا بسبب من نوبل. كذلك لم يبق شيء ثابت على حاله في ثنائية الصراع بين قيم الشرق والغرب المجربة في أعمال نجيب محفوظ وأورهان باموق. ولعل هذا الزلزال (المصوغ في ميدالية نوبل) يعنينا أكثر من غيرنا، نحن كتاب الشرق العربي والإسلامي، كلما اقتربت آثاره من سردياتنا المفتقرة للأفكار والمواقف النقدية إزاء عالم متغير، تأفل فيه تأثيرات القوس الحديدي، وتقوى داخله اتجاهات الأدب الانشقاقي. لن ننتظر طويلاً حتى ينقلب جيل فطن على هذه السرديات. سيحدث هذا بتأثير من نوبل. لم تطارد اليد الرهيبة لنوبل أبطال هذا العصر فحسب، فقد بعثت الجائز

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

افتتاح أول مستشفى حكومي في بغداد منذ 40 عاماً

لجنة نيابيّة لـ(المدى): ملف الكهرباء "شائك" ولا بديل عن الغاز الإيراني

الموت يخطف احد كوادر المجلس العراقي للسلم والتضامن

كاساس: بطولة الخليج ودية وفائدتها التعرف على اللاعبين الشباب

العراق يودع خليجي 26 بخسارة ثقيلة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram