تكفي نظرة واحد إلى نتائج اجتماعات دبلن، التي ضمت الثمانية الكبار في هذا العالم، المتأرجح بين القطبية الواحدة و ثنائية أو تعدد القطبيات، لندرك أنّ الحرب في سوريا وعليها ستستمر وتشتد ضراوةً في الشهور المقبلة، بانتظار موازين قوى جديدة على الأرض، تحشد الأطراف كافة لتميل إلى جانبها، حيث سيتدفق السلاح الروسي على النظام السوري والسلاح الغربي على معارضيه، نتيجة لتوافق الثماني على استمرار الاختلاف الذي يعني تأجيل الحل السياسي، واستمرار طحن الماء في طاحونة جنيف الثاني، خصوصاً وأن القيصر الروسي جاء إلى القمة كعسكري، وضعت لغته حداً لأي أمل بالدخول في مرحلة بحث حل سياسي حقيقي للأزمة المستعرة في بلاد الشام، إن في سوريا الدولة بشكل مباشر ودموي، أو في جوارها، حيث يشتعل الجمر تحت رماد فتنة طائفية، يسعى الكثيرون من أدعياء الإسلام للنفخ في كيرها البغيض.
كصدىً للواقع العسكري على الأرض، اختلفت لهجة المتحاورين في دبلن، فواشنطن والذين معها تسعى لمنع هزيمة المعارضة، وذلك عبر إعلان متأخر عن لجوء النظام السوري إلى أسلحته الكيماوية، ودخول حزب الله عمليا على خط الأزمة، والسماح تبعاً لذلك بتسليح معارضيه، وموسكو تؤكد أنها لن تسمح بهزيمة حليفها الأسد، وكان التعبير الأوضح عن هذا الموقف، تأكيدها عدم السماح بفرض منطقة حظر جوي على طيران النظام، متخلّية عن موقفها السابق، اعتبار إقامة هذه المنطقة، على أنها مجرد عقبة على طريق جنيف الثاني ليس أكثر، وكنتيجة لهذا فإن الأشهر الثلاثة التي تفصلنا عن القمة الأميركية الروسية القادمة، ستحوّل سوريا إلى قبلة للمتقاتلين الأجانب على اختلاف مذاهبهم وتصارعها، وليس مهماً عند بوتين وأوباما والأسد ومعارضيه، عديد السوريين الذين سيقضون في المعارك التي ستحتدم خلال هذه الفترة.
تتكثف المخاوف خلال المرحلة المقبلة، من تفشي القتل المذهبي، ليس في سوريا وحدها وإنما في لبنان والعراق وتركيا، وربما يتطاير شررها وشرورها وشظاياها لتعم الإقليم بمجمله، ويعني هذا أن السخونة القادمة هي عودة للحرب الباردة، حيث تواصل روسيا دور الاتحاد السوفياتي القديم، فيما تحل اجتماعات الثمانية الكبار محل قمة القمم السوفياتية الأمريكية، وحيث يأخذ معسكر المقاومة والممانعة دور حركات التحرر الوطني " هل هناك من يتذكرها؟ "، أمّا ما كان يسمى بالرجعيات العربية، فسيخلي مكانه لمحور الاعتدال، وخلال كل هذه الاصطفافات، تجر القوى المتأسلمة المنطقة إلى الحرب الباردة، وتصطف إلى جانب المعتدلين تحت الراية الأميركية، ويظل أن إسرائيل في الحالتين، ستكون الركن الأساس في تحالف المعتدلين والمتأسلمين والقوى الغربية بقيادة واشنطن، وسيكون حضورها فاعلاً، وإن لم يكن معلنا ومكشوفا.
ستشهد الشهور المقبلة معركة كسر عظم، للتأكد إن كان نظام الأسد قادراً على إسقاط محاولات إسقاطه، أو إن كان معارضوه قادرون على التماسك، بعد كل ما مرّ بهم من التشرذم والتناحر وفقدان البوصلة، والارتهان لقوى خارجية تفكر بمصالحها، بعيداً عن مصالح الشعب السوري ومستقبل الدولة السورية، وهل ستكون قادرة على الخروج بهوية وطنية جامعة ومشروع مستقبلي مشترك، أو أنها ستكون مجرّد واجهة، للجهاديين المتدفقين إلى الجغرافيا السورية من أربع جهات الأرض، وهل سيكون لما يجري في تركيا تأثير عليها، أو أنها ستقف عارية نتيجة التغيير المنتظر في مشيخة قطر، حيث يجري الحديث عن نقل السلطة من الأب لابنه، أم أننا سنشهد انقلاباً للأوضاع في مصر، على خلفية تعاظم المعارضة لحكم الإخوان، ورفضا شعبيا متناميا لأخونة الدولة، وستكون الطامة الكبرى على السوريين والعرب، إن لم يتمكن واحد من طرفي الصراع حسم الموقف لصالحه، ليذهب إلى جنيف مرتاحا وقويا وصاحب قرار، أمّا نحن فليس علينا غير الانتظار.
الكبار يتفقون على الاختلاف
[post-views]
نشر في: 19 يونيو, 2013: 10:01 م