بالتأكيد نحن شعبٌ ناكرٌ للجميل، وبلغت بنا الوقاحة مبلغا جعلنا ننكر على أعضاء مجالس محافظاتنا "المجاهدين" ، الإنجازات العظيمة التي قدموها خلال السنوات الأربع الماضية، صرفنا جهدنا في تقليب دفاترهم، فيما "الجماعة" كانوا يقدمون لنا في كل يوم إنجازا جعل من العراق بلدا بمصاف الدول المتقدمة.
عشنا معهم أربع سنين من الرفاهية، فالوقائع أكدت بالدليل القاطع أن أعضاء مجالس المحافظات استطاعوا بفضل خبراتهم وتفانيهم وحبهم للوطن أن ينقلوا العراق الذي كان يعيش على هامش التاريخ خلال سنوات قصيرة من الزمن ليصبح اليوم واحدا من أفضل البلدان على مستوى الخدمات والاقتصاد والتعليم والصحة.
كيف تسنى لنا أن “نتفرعن” على إنجازات مجالس المحافظات، وننسى بلاءها الحسن وهي تشن حروبها على الفساد والمفسدين، وتوفير الخدمات وبث الأمن والأمان في النفوس.
ننسى نحن المتخلفين عقلياً أن المجتمع العراقي قبل مجيء اشاوس مجالس المحافظات ، كان غارقا في مستنقعات التخلف والعوز، وننسى أن هؤلاء " الأفاضل " تسلموا تركة ثقيلة وأن الأوضاع كانت قبلهم غاية في السوء على نحو يدفع المواطن إلى أن تسيل دموعه إشفاقا على هؤلاء المسؤولين المساكين، الذين حملوا أمانة تنوء بحملها الجبال.
نكران الجميل دفعنا إلى أن لا نسمع كلام أحد المسؤولين في نينوى الذي طلب منا أن نلتزم بواجب فرضه الله علينا، وأن ننصره باعتباره الراعي ونحن الرعية الذين عليهم الالتزام بوصايا ولي الأمر، ولكن "ياحسرتاه" خذلناه ولم نذهب لنهتف بحياته في انتخابات المحافظة .. فقد خرجت علينا الأخبار لتؤكد أن "نسبة التصويت النهائية بلغت نحو 37.5% ".. وهكذا نجد أن أهالي الموصل تضامنوا مع إخوة لهم في بغداد حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة في العاصمة أكثر من 33%.
كان أهالي بغداد والموصل يحلمون بتغيير حقيقي، لكن سياسيينا الأشاوس أصروا على أن يمارسوا معهم لعبة الديمقراطية بالوجوه نفسها، وبمشروع سياسي لا يختلف كثيرا عن المسرحية الكوميدية "جئنا لنبقى" التي ملَّ الناس من التفرج عليها خلال السنوات الأربع الماضية..
بالأمس حين أدار أكثر من نصف أهالي نينوى ظهورهم إلى الانتخابات، فلأنهم ملّوا من المطالبة بأبسط حقوقهم، في حين أصر مسؤولو المحافظة على التأكيد على خطاب خيالي لاعلاقة له بالواقع، وبدلا من أن يهتموا بالتنمية ورفع المستوى المعيشي للمواطنين.. أصبح همهم الوحيد إلقاء المواعظ والخطب الأخلاقية، ومطاردة الفتيات السافرات في الشوارع، والتضييق على الحريات التي ضمنها الدستور، وهكذا اعتقدوا أنّ مهامهم الأساسية إعادة العراقيين الى عصر الايمان والتقوى بعد ان عاشوا دهوراً في الجاهلية والكفر.
مثل ملايين العراقيين لا أملك أن أمنع أي سياسي من أن يترشح لانتخابات مجالس المحافظات، مادامت الديمقراطية منحته هذا الحق، ولكن في معظم دول العالم نجد أن العديد من الساسة يمارسون فضيلة مراجعة النفس والاعتراف بالخطأ الذي يشكل اليوم جزءاً من نسيج الحكومات المتحضرة، وتاريخ الاعتذارات مليء بالمواقف الصعبة لعدد كبير من المسؤولين في الغرب وهم يخرجون للناس يقدمون اعتذاراتهم، ومعها خطاب الاستقالة بسبب أفعال أضرّت بالمصلحة العامة.
كنت أتمنى لو سأل السيد المسؤول: ما الذي تحقق في الدورة السابقة، هل يعيش أبناء الموصل جميعا متساوين بالحقوق والواجبات؟ هل شعار حكوماتنا المحلية الكفاءة أولاً؟ هل بنينا دولة مدنية لا تميز بين المواطنين؟
لماذا ينسى الذين يطالبون الناس بحقوق "الراعي"، كل المآسي التي مرت بها البلاد؟ أم أنّ مسارح الانتصارات والخطب الثورية ومحاولة صنع "المنقذ" لا تعترف بالمآسي والكوارث التي تعيشها الناس كل يوم، لماذا بعد سنوات عجاف لا يزال البعض يرى أن الكذب ذكاء سياسي يجب استغلاله إلى أقصى حد؟
لماذا يصر البعض على أنّ الناس عميٌ لا يرون، وأنهم يصدّقون كل رواياتهم، وأنهم فقدوا نعمة الرؤية فأوكلوا المهمة إلى رجال أشدّاء يؤمنون بنظرية "الراعي"؟!
لماذا لا يريد جماعة "انتخبونا لأننا مكلفون شرعياً" أن يفهموا أنّ الناس تغيرت، وأنّ عيونها مفتوحة على سعتها، وأنّها تصرّ على أن تكون شاهداً ومشاركاً، لا متفرجاً أو منتظرا لروايات هواة "السياسة"، كي يهدأوا ويناموا في سرير الفضيلة والاخلاق الحميدة قريري العين؟!
جميع التعليقات 1
اطلال الماضي
كم انا معجب بكتاباتك ايها العراقي المخلص تحية لك والف تحية من عراقي مغترب شرب 7 قناني سفن مع بطل تيزاب مركز وقرا سورة الفاتحة على بلد كان يوما اسمه العراق