من الجميل ان نحتفي بقاماتنا الإبداعية ورموز نهضتنا الثقافية ومن الواجب ان نكرس لذلك الاحتفاء المزيد من الفعاليات التي ترسخ في الذاكرة عطاءاتهم الكبيرة ومنجزاتهم الخالدة ,ومن الوفاء ان تقوم وزارة الثقافة بإلقاء المزيد من الأضواء على ما حققوه من رقي وريادة ,لاسيما ونحن نحتفل ببغداد عاصمة للثقافة العربية ,وهذا ما تحقق لنا من خلال دائرة الفنون التشكيلية وإصداراتها الأنيقة ضمن السلسلة الثقافية ,وإذ يأتي – الرمز الأسطوري في الفن العراقي الحديث / الفنان جواد سليم نموذجاً – لمؤلفه الباحث والقاص ناجح المعموري ,ضمن هذه الأجواء الاحتفالية ,فأنه يؤكد أصالة الفن العراقي وحيوية المبدع منتجا ومؤلفا / فاعلا ومؤثرا في الكشف عن جذور إبداعات العراقيين خلال تأريخهم المجيد .

كذلك يأتي استكمالا لما بدأته دائرة الفنون التشكيلية في سبعينات القرن العشرين عندما أصدرت سلسلة مماثلة عن رموز الفن العراقي من بينهم : فائق حسن ,جواد سليم ,إسماعيل الشيخلي ,عطا صبري , و.........و........... بذات الفكرة بحثا وأناقة واحتفاء وتكريما وبأقلام نخبة من النقاد والمهتمين بالمشهد التشكيلي العراقي ...... ولا شك ان مبادرة دائرة الفنون التشكيلية وادارتها المثابرة التي يقودها الدكتور جمال العتابي تستحق الثناء والشكر والتقدير على ما قدمته وتقدمه ,ونتمنى مخلصين ان تواصل أرشفة وتوثيق الفن العراقي من خلال إصدار دراسات وافية وفولدرات وسلايدات لمختارات من ابرز أعمال كبار الفنانين وايلاء اهتمام استثنائي بمنجز الشباب التشكيلي الذي حقق حضورا مدهشا على امتداد السنوات الأخيرة ....

ويحق لي بعد هذه التواطئة الموجزة أن أعود الى ما انجزه المبدع المعموري في هذا الكراس / الوثيقة الذي برهن من خلاله على قدرات نقدية مبهرة تؤشر الى غنى معرفي وطاقة متجددة وعقلية تحليلية مشهود لها بالكفاءة والفاعلية.

يقول المعموري في مستهل دراسته القصة – الرمز الاسطوري في الفن العراقي الحديث / الفنان جواد سليم نموذجا – 

تثير تجربة الفنان جواد سليم الكثير من الاسئلة والقراءات ,وهي ما زالت يقظة , وحية , استولدت عددا مهما وكبيرا من الدراسات التي اتفقت جميعها على أهمية هذا الفنان وتميز تجربته وتنوعها الغزير ... 

ويضيف المعموري :

ان خلاصة تجربة جواد الفنية وعلى غزارتها ,تقدم لنا فرصة طيبة لتأشير العلاقة بين الفنان وجينولوجيا الحضارة العراقية وديانات الشرق ,وأخذه منها أهم عناصرها ذات العلاقة بالخصب وعقائد العراقيين القدماء المرتبطة بالحياة والحب والانبعاث .

وفي مكان آخر من هذه الدراسة يقول المعموري :

وما يؤكد تميز تجربة وثنائية المقابلة ,وهذا هو أوسع مديات القراءة وتعددت الاختلافات الإيجابية ,ومن تلك النظائر ,الاسطوري / الواقعي / الأنثوي/ الرجولي/ الموت/الحياة/ القوة/ الضعف/ السجن/ الحرية/ .

وهكذا فأن مفاهيم جواد سليم الفكرية واضحة ومعروفة ,وان لم يقدم تفاصيل لها ,لكنها تكشف عن نفسها من خلال وحداتها المكونة لأنساقها الدينية / الاجتماعية /السياسية ,ولهذا فان آلهة الخصب كامنة في اعمالها ,انها الالوهة العشتارية المتجسدة من خلال الالهة /الشجرة/الثور/وهي الام الكبرى في نصب الحرية والتي مات ابنها الذي سينبعث مرة ثانية (دموزي/تموز) في دورة الحياة الجديدة ..

ان قراءة الباحث ناجح المعموري قراءة مختلفة للسائد من القراءات التي وصلتنا عن منجز الخالد جواد سليم ,آمل ان يوسع من مفرداتها بما يغني ويرسخ ويعلي كل ما تركه لنا هذا الفنان الكبير ,وانا على يقين تام من ان المعموري بما يمتلكه من ذخيرة معرفية وادراك نقدي لمعطيات التراث الرافديني واساطير بلاد الشرق واديانها ,لقادر على اضافة الكثير المميز من الدراسات التي تحفر في عمق المشهد 

الثقافي العراقي وانجازاته الكبيرة ,واتمنى على دائرة الفنون التشكيلية ان تنهض بمثل هذا المشروع الحضاري الضخم عبر خطة مدروسة تضعها بمشاركة نقاد الفن ودارسيه وأعلامه المبرزين ...

وفي الختام يشير المعموري الى :

ان الحديث عن العناصر الاسطورية في الفن العراقي المعاصر لا تعني الحديث – فقط – عن جواد سليم ,وانما تستدعي – ايضا- قراءة لتجارب مهمة وحيوية مثل تجربة ضياء العزاوي ,كاظم حيدر ,مظفر النواب ,كامل عارف ,نوري الراوي , في بعض لوحاته الصوفية ,اضافة الى تجارب الفنانين الشباب ,والتي تمركزت كليا حول الأسطورة /الغرائبية/ اللا معقول ... واخيرا ............

اكرر الشكر والثناء والامتنان لدائرة الفنون التشكيلية التي أتحفتنا بهذه السلسلة الثقافية وزينتها بأجمل لوحات الفنان جواد سليم ... وكل الشكر والإعجاب بما يبدعه ناجح المعموري /مفكرا / ناقدا / باحثا / قاصا / ومحاورا...........