عباس الغالبي لم يكن الإصلاح مقصداً طوباوياً للاقتصاد العراقي في ظل اختلالاته الهيكلية التي يعاني منها بعد أن أراد له التحول من الاقتصاد المركزي الذي تسيطر عليه الدولة بجميع محاوره الى اقتصاد السوق بعد عام 2003، وعلى الرغم من الحاجة الملحة لهذه الإصلاحات البنيوية إلا ان واقع الحال لم يشر الى إجراءات عملية محددة أحدثها القائمون على القرار الاقتصادي في العراق بعد مرور أكثر من ست سنوات.
وكان الحاكم المدني السابق للعراق بول بريمر قد اتخذ بعيد الاحتلال الأمريكي إجراءات اقتصادية وصفها المراقبون بأنها ترقيعية استخدم فيها طريقة ما يسمى بالوصفات الجاهزة أو طريقة الصدمة ظناً منه أنها عملية وعلاجية ترتقي بالأداء وتفضي الى نتائج سريعة تحت سطوة الاحتلال إلا أن النتائج كانت كانت سيئة وجاءت بما لا تشتهي به السفن بسبب الارتجالية في القرارات والاجتهاد البعيد عن الواقع، بحيث لم تراع هذه القرارات التي تتعلق بالإجراءات الضريبية وفتح الصادرات الخارجية للسلع والبضائع من دون ضوابط وقوانين ضريبية محددة، فضلاً عن غياب السيطرة النوعية وعدم وجود قوانين لحماية المستهلك والإغراق السلعي بحيث عجت الأسواق بشتى السلع والبضائع ذات المناشئ الرديئة، أقول: ان تلك الإجراءات المرتجلة لم تراع طبيعة الاختلالات التي ضربت أطناب الاقتصاد العراقي من انهيار للبنى التحتية للقطاعات كافة، وتفشي ظواهر البطالة والتضخم الجامح والاعتماد المفرط على النفط كمصدر دخل وحيد، وخمول تام للقطاعات الإنتاجية، حيث لا يمكن ان تعتمد الإجراءات المفاجئة للتحول الاقتصادي مع وجود هذه الاختلالات التي تتناقض وتتقاطع مع مشهد عملية تحول سليم وسلس الى فضاءات اقتصاد السوق، وهذا ما انسحب على المشهد الاقتصادي برمته الذي تلازم في حقيقة الأمر مع غياب البرنامج الاقتصادي الحكومي الواضح المعالم والذي يبرر في معظم الأوقات بشماعة الوضع الأمني الهش وتداعيات العنف وبعدها التجاذبات السياسية التي عادة ما تلقي بظلالها على المشهد الاقتصادي. وبسبب هذه التلازمات اصطدم موضوع الإصلاحات الاقتصادية بعقبات كبيرة ومعقدة بعضها يحتاج الى رؤى واضحة في عملية التخطيط ومن ثم وضع العلاجات الناجعة القادرة على احتواء الأزمات الاقتصادية بشكل يتناسب مع معطيات الواقع السائد، وبعضها الآخر يصطدم برؤى المستشارين التي عادة ما تكون اقتصادية مغلفة بأبعاد سياسية لم تكن علاجا بقدر ما تكون عراقيل أمام عملية الإصلاح الاقتصادي لم تحتوِ الأزمة، بل تذهب الى البعد السياسي، هذا إضافة الى تلكؤ عملية أقرار القوانين الاقتصادية المهمة ولاسيما قانون النفط والغاز الذي مازال يراوح في أروقة مجلس النواب وأعلن صراحة بترحيله الى الدورة التشريعية المقبلة، فضلاً عن عدم تفعيل قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 على الرغم من إجراء بعض التعديلات التي تستهوي وتطمئن المستثمرين، ما يجعل البيئة التشريعية التي تقع في أولويات الإصلاحات الاقتصادية تكتنفها صعوبات جمة. ومن هنا تصبح عملية الإصلاح طوباوية أكثر منها الى الضرورة الواقعية للاقتصاد الوطني، بحيث لا يمكن ان تمضي ست سنوات من دون اقتصاد معافى نشيط في قطاعاته الإنتاجية، فاعلاً في تجارتيه الخارجية والداخلية، قادرا على الانفتاح على مصادر دخل متعددة، وهي ما قد تجعل عملية الإصلاح الاقتصادي في مهب الريح.
الاصلاح الاقتصادي
نشر في: 2 نوفمبر, 2009: 05:05 م