استكملت أجهزة الدولة الاردنية كل استعداداتها للوفاء بالاستحقاقات الدستورية, وكان قرارالهيئة المستقلة للانتخابات بتحديد يوم 22 -12 المقبل موعدا للترشح للانتخابات النيابية, وتحديد يوم 23 -1 من العام القادم موعداً لإجرائها, آخر الخطوات التي تؤكد أن مسيرة الإصلاح السياسي الهادئ والمتدرج تمضي في دربها, دون أي حاجة لتحريك آلة القمع, لمواجهة المتظاهرين المطالبين بالإصلاح, ودون أن تراق نقطة دم واحدة في شوارع المدن الأردنية, التي شهدت على مدى سنتين عدداً تجاوز الخمسة آلاف مسيرة ومظاهره.
قبل ذلك تم تعديل الكثير من بنود الدستور, وأنشئت المحكمة الدستورية العليا, والهيئة المستقلة للإنتخابات, بعد تعديل قانون الانتخابات بناءً على مطالب المتظاهرين الذين لم يصل الأمر بهم حد المطالبة بتغيير النظام, عدا نفر قليل من أصحاب الرؤوس الحامية, كانت مطالهم مرفوضة من المتظاهرين أنفسهم, ووجه تعنتهم بالحلم من قبل الدولة ولم تتعدى إجراءاتها معهم التحويل للمحاكمة ليقول القانون كلمته فيهم, صحيح أن الخطوات الإصلاحية تبدو كبيرة, وتشكل قفزة واسعةً إلى الأمام, عند القوى السياسية التقليدية, لكنها عند الآخرين تمثل مناورةً للالتفاف على المطالب الشعبية.
لايعني ذلك أن بعض القوى السياسية غير راضية عن هذه الخطوات, ولكل منها أسبابه الخاصة, وليس سراً أن تنظيم الإخوان المسلمين كان الأكثر تشدداً, معتمداً على نجاح " إخوانه " في مصر وتونس, ومنتظراً نجاحهم في سوريا, غير أن المبررات التي يسوقها هذا التنظيم, لم تعد مقبولة عند أكثر من مليوني مواطن, سجلوا أنفسهم في سجلات الناخبين, إضافة إلى معرفتنا أن العديد من قواعد الإخوان لاترضى بموقف قيادتها, ووصل الأمر إلى لجوء الأطر القيادية الإخوانية إلى مكتب الإرشاد الدولي لهذه الجماعة العابرة للدول لحل الخلافات, ومنع تفتت التنظيم بعد سيطرة المتشددين على مفاصل القرار فيه, واتهام الآخرين لهم باستغلال المال السياسي لبلوغ هذا الهدف.
الرافضون للاجراءات الحكومية سيتظاهرون مجدداً, وسيظل صوتهم أسير الشارع, وقد خيرهم الملك بين المشاركة في العملية الإصلاحية من داخل الأطر الدستورية, أو البقاء في الشارع, فاختاروا عدم المشاركة وهم يحشدون لمسيرات ضخمة تتعهد السلطات بحمايتها, ولم تعد تجد الصدى المطلوب عند المواطنين غير المتحزبين, وعند الكثير من القوى السياسية التي قررت الإنخراط في العملية السياسية بشكلها الراهن, على أمل تغيير قواعد اللعبة بعيداً عن تشنج الشارع, وهتافات المتظاهرين.
المؤكد أن الحراك الشعبي تمكن من تسريع خطوات الإصلاح, التي كانت تمضي ببطء متعمد بإدارة قوى الشد العكسي, بحساباتها المعقدة حول الوطن البديل, وحول كثافة المكون الفلسطيني الأصل, في بعض التجمعات السكانية والمدن, غير أن القطار اليوم على سكته, وإذا كان البعض يظن أنها سكة لن توصله إلى الغاية المنشودة, فإن آخرين يتمنون لو كان بمقدورهم منعه من التحرك متراً واحداً إلى الأمام, وتلك هي سمة المجتمعات المتحضرة, المحكومة بجملة القوانين السائدة بغض النظر عن قبولها أو رفضها.
بالطبع كنا نتمنى لو كانت القفزة إلى الأمام أوسع مدىً, لكننا نقرأ بهدوء الواقع الراهن, ونعرف أن المطالبة بحكومات برلمانية تستوجب حياة حزبية ناضجةً ومتكاملةً وقادرةً على وضع برامج يتم الانتخاب على أساسها, لكننا نعرف أن الحياة الحزبية في الأردن ما زالت وليداً يحبو, ويحتاج للرعاية والعناية, وهو غير قادر بعد على تأمين احتياجاته, قبل التفكير بتسليمه مقاليد القيادة في بلد يعيش في أكثر بؤر المنطقة توتراً, ويسعى للحفاظ على المكاسب المتحققة في عمر الدولة الذي تجاوز التسعين عاماً, تم فيها إنجاز الكثير, وما زال هناك المزيد المحتاج لجهد حقيقي لبلوغه.
استحقاقات محددة
[post-views]
نشر في: 17 أكتوبر, 2012: 05:52 م