خبران متزامنان طالعتنا بهما أجهزة الإعلام الأسبوع الماضي، أولهما دعوة البيان الختامي لقمة الثماني للسلطات السورية والمعارضة، للالتزام بتدمير كل المنظمات المرتبطة بشبكة القاعدة الإرهابية، وثانيهما ترحيب واشنطن بقرار حركة طاليبان، المنتمية قلباً وقالباً للقاعدة، فتح مكتب لها في مشيخة قطر، التي ستكون الموقع الأفضل بحماية قاعدة العيديد، لمحادثات أميركية طاليبانية، مؤكدة أن هدفها العودة إلى ما كان سائداً من تفاهم وتنسيق بين الجانبين على مدى عدة أعوام، شنّا فيها حرباً ضروساً ضد النظام اليساري، الذي كان يحكم أفغانستان بدعم سوفيتي واضح ومكشوف.
كشفت قطر وجهاً سافراً،عندما باتت العاصمة الوحيدة في العالم التي تستضيف القاعدة بوجهها الطاليباني رسمياً، وافتتحت لها مكتباً سياسياً بالدوحة، والمفجع أخلاقياً، مشاركة مسؤولين قطريين رسميين في الاحتفال، تبادلوا التهنئة على هذا "الفتح" مع ممثلين عن طاليبان، حيث أكد كبيرالقاعديين بلهجة المنتصر، أن معتقلي غوانتانامو من ضمن القضايا الرئيسية التي ستطرح في التفاوض مع الأميركيين، ما يعني أن قطر تتوسط للإفراج عن مجموعة من المعتقلين بتهم تتعلق بالإرهاب، والسؤال أين سيتوجه هؤلاء في حال الإفراج عنهم، وفي أي الساحات سيستكملون مهماتهم الجهادية؟.
لم يعد ممكناً فهم السياسات الأميركية، التي تدعو العالم لمقاتلة القاعدة في سوريا والعراق، وتعقد معها محادثات تزعم أنها تستهدف تحقيق السلام في أفغانستان، وبالتعاون مع عميلها كرزاي، وهي تعتبره شجاعاً في مضمار البحث عن السلام، وهي تحاول التمويه بالقول إن العملية لن تكون سهلة ولا سريعة، وأن اللقاء مع القاعدة في الدوحة يسجل بداية مسار شديد الصعوبة، سيتبعه لقاء مع الهيئة التي شكلها كرزاي تحت إسم المجلس الأعلى للسلام، وهي هيئة سيزور وفد منها قطر قريباً، في محاولة لإجراء محادثات مع طاليبان، التي تتمنع قائلةً، إن أية مشاركة في حكومة يقودها كرزاي، ليست واردة على الإطلاق، وليس بعيداً والحال كذلك أن تتخلى واشنطن عن بيدقها في كابول، لصالح هدنة طويلة، أو علاقات أفضل مع القاعدة.
ليس بعيداً عن الصفقة غير البريئة التي تتولاها قطر، مباركة القوى الاستعمارية كافة، فقد رحبت بها بريطانيا، معتبرةً أن واشنطن أصابت بقرارها إجراء محادثات مع طاليبان، وكانت النرويج احتضنت مباحثات مع القاعدة، كانت منطلق القرار القطري، في حين تشدق مسؤول قطري بالقول، إن افتتاح مكتب لطاليبان في الدوحة، جاء انطلاقاً من حرص المشيخة على دعم السلم العالمي، وإيماناً منها بضرورة حل النزاعات بالطرق السلمية، وعبر الحوار والمفاوضات، ولعل ذلك يدعونا لسؤاله عن رفض هذه السياسة في الحالة السورية، وتبنيها في أفغانستان، ونجيب بالنيابة عنه، لاننا نعرف الصحيح، فدماء الجنود الغربيين التي تنزف هناك، أغلى عند حكام جزيرة الغاز المسال من دماء السوريين .
فضحت طاليبان أهداف القرار القطري، فكشفت أن الهدف هو إقامة حوار وتفاهمات مع دول العالم لتحسين العلاقات معها، ودعم العملية السياسية السلمية، من أجل إقامة دولة إسلامية في أفغانستان، والتواصل مع المؤسسات الدولية الحكومية وغير الحكومية، كالأمم المتحدة وغيرها، وإصدار بيانات سياسية ونشرها في وسائل الإعلام العالمية، أي أن الدوحة تعطي القاعدة منبراً، وقناة للتواصل مع المجتمع الدولي، وفرصة لتحسين صورتها القبيحة، لتتمكن من محاورة دول العالم، ثم يتشدق بعض العرب عن محاربة الإرهاب، وعزل الجهاديين في سوريا، بالتوازي مع القرار الغربي بوضع «جبهة النصرة» على قائمة الإرهاب ،ومطالبة «الجيش الحر» بضربها.
أية كوميديا سوداء تتبناها المشيخة الخليجية، التي لايزيد عدد مواطنيها عن عديد القتلى السوريين في الانتفاضة، التي يتاجر بها حكام الدوحة؟