TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > اسطنبول: بين مجلس السلطان وميدان تقسيم حريم وحور عين وحرية

اسطنبول: بين مجلس السلطان وميدان تقسيم حريم وحور عين وحرية

نشر في: 22 يونيو, 2013: 10:01 م

-1-
نتناول الفطور على سطح الطابق التاسع لفندق  ( CVK)  المطل على ميدان  تقسيم و اسطنبول بكاملها  من جهة البر الاوروبي  وتبدو غابة بلغراد والمتنزه الوطني  في عمق الأفق المغبش فنسرع  في نشوة  البرد الصباحي للتجوال  بين حمائم  ميدان تقسيم وباعة الزهور الذين تصطف حوانيتهم  على عمق  الساحة فتشكل  متراسا للجمال  والعطور  ،  ضجة عربة الترامواي الحمراء الوحيدة  وموسيقى  أرغن تنطلق من كنيسة مجاورة ونحن نطعم الحمام   يظهر لي مسكونا  بالأسى وجه ( فخري توركه لي )  بطل   روايتي   ( موسيقى صوفية ) سليل ملوك بيزنطة الذي يموت  حرقا  بطريقة مريعة  ظل يخافها  ويتجنبها طوال حياته ، يقضي الرجل  في اللهب وهو يستحضر في ذاكرته  المزحومة بأحداث التاريخ  وأقوال الفلاسفة وايقاعات الموسيقى  مشهد   ( السلطان محمد الفاتح) وهو  يحرق عاصمة أسلافه ويدمر  الامبراطورية  البيزنطية ،كان  ( توركه لي )  يحلم على امتداد سنوات عمره  باستعادة  أمجاد  بيزنطة الغابرة  عندما ينجح في جمع  عدد من المرايا  الأثرية  التي سرقت  من قصور أسلافه  الأباطرة  ويشكل من  مجموعها صورة  لمدينة بيزنطة  تنطق بالحياة والسلطة والقوة  ويتلألأ  برج ( غالطا)  بنوره  العتيق وسط  قصورها وبوسفورها  ،  لم ينجح الرجل  في فك لغز  وصية الأسلاف  الخرافية   ليحكم  اسطنبول  من جديد بعد  سلفه الأكبر  (قسطنطين الحادي عشر ) وتهاوت المرايا الثمينة المرصعة  بالأحجار الكريمة وأنياب الثعابين   لتتحطم وسط  النيران وتنتهي معها إلى الأبد  أحلام  البيزنطي  الأخير كما لن ينجح ( رجب طيب اردوغان )  اليوم في استعادة أمجاد  العثمانيين  وجعل  مدينته  مقرا للخلافة الاسلامية  التي يحلم بها مع ما تحلم  به  بعض  الأحزاب الاسلامية   فلا أحد بوسعه إعادة تقاويم الزمن إلى القرون الماضيات مهما حاول الحالمون   والموهومون  من هواة السياسة.  
للمرة الثالثة أزور اسطنبول و  أستظل  بأغصان الصفصاف البابلي  الذي يسميه البعض ( الصفصاف الباكي  )  في متنزهاتها و حديقة بيت الحريم ، أميز  الصفصافة  العتيقة من بين أشجار الدلب  والسنديان  والكستناء  والزيزفون ، أشجار عمرت قرونا و شهدت  أحداثا مروعة  من عسف السلاطين وعمليات الرجم  وقطع الرؤوس  التي تتم عند الباب الأوسط   بحق المارقين  من موظفي   السلطنة الكبار وثمة  حنفية ماء   قيل  أن   الجلاد  كان يغسل  سيفه في مائها  بعد عمليات الاعدام  التي يأمر بها  السلاطين غلاظ القلوب  لتدوم لهم الممالك  والنساء والثروات الى حين ، في الحرم  حيث  تحجر سيدات  السلطنة  وتحاك المكائد والدسائس بسموم  وأسلحة  فتاكة  واستعانة بغلمان مخصيين  تتناهى إلى أسماعنا  صرخات مكتومة  واستغاثات أنوثة  , تخبرنا المرشدة السياحية الرقيقة  ( دالما )  التي تتحدث العربية  بشيء من الزهو التركي  إن بيت الحريم  او الحرم   الذي كانت تسكن فيه   سيدات  مبجلات ومحظيات  وجوارِ مملوكات - يعني إسمه   الحظر او المنع –  أقول لها يعني التحريم -  تبتسم  وتسرد ما  لقنتها به أدبيات السياحة  : (أصل فكرة الحرم  آتية من  الحور العين اللائي  يجازى بهن  ذكور أهل الجنة  وقد  اعتبر السلاطين  بيت الحريم تطبيقا دنيويا  للجنة )  
 بمعنى ان السلاطين يعيشون  الجنة مرتين :  في الحياة الدنيا وفي  الآخرة الموعودة ! ومن هنا كانت تصدر الفرمانات السلطانية  من قاعة المجلس المعزولة عن الحريم  بضجيج  حنفية  ذهبية يفتحها الحاجب  ليشوش  على المتلصصين  وفي وشوشة الماء  وانهماره في حوض الذهب تعلن الحروب والغزوات  فتمتلئ القصور بالغنائم والسبايا  وشهوات  التوسع والاستبداد.
يتبع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ثلاثة منتخبات تحجز مقاعدها مبكراً في ربع نهائي كأس العرب 2025

القضاء يحسم 853 طعناً على نتائج الانتخابات

الداخلية: العراق بنى منظومة متطورة لمكافحة المخدرات

التخطيط تتجه لتوسيع الرقابة النوعية لتشمل الصادرات والواردات عالية المخاطر

قبول 1832 طالباً في المنح المجانية لكليات المجموعة الطبية

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

 علي حسين أبحث في الأخبار ومجادلات الساسة عن موضوع لعدد اليوم ، وربما عن فكرة أقنع بها القارئ المحاصر بقطع الطرق والأرزاق، وبالعيش في مدن مثل حقول الألغام، شعارها التمييز، ومنهجها الإقصاء، ودليلها...
علي حسين

قناديل: حين استيقظ العراقي ولم يجد العالم

 لطفية الدليمي لعلّ بعض القرّاء مازالوا يذكرون أحد فصول كتاب اللغة الإنكليزية للصف السادس الإعدادي. تناول الفصل إيجازاً لقصّة كتبها (إج. جي. ويلز) في سبعينات القرن الماضي، عنوانها (النائم يستيقظ The Sleeper Awakes)....
لطفية الدليمي

قناطر: أنقذوا الثقافة من الأدعياء

طالب عبد العزيز منذ قرابة عقد من الزمن وأتحاد الادباء في البصرة يعاني من أزمة في اختيار مجلس إدارته، وهو بعلة لا يبدو التعافي منها قريباً، بسبب الاقتتال على المقاعد الخمسة الأولى التي تمثله....
طالب عبد العزيز

الانتخابات العراقية عام 2025: التحديات الداخلية في ظل ضغوط دولية متزايدة ..

كارول ماسالسكي ترجمة : عدوية الهلالي في يوم الثلاثاء، 11 تشرين الثاني 2025، أجرى العراق سادس انتخابات برلمانية ديمقراطية منذ سقوط صدام حسين عام 2003. وقد حققت القائمة الشيعية «ائتلاف الإعمار والتنمية»، بقيادة رئيس...
كارول ماسالسكي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram