نجحت انتخابات مجالس المحافظات نسبياً وشهدت فوز أحزاب وكتل ومرشحين، يحلو لبعض قادة الكتل المهيمنة على العملية السياسية، تسميتها بـ"الصغيرة" أو "الهامشية". وينسى هؤلاء أن تاريخ بعضها يتعدّى عمر جميع الأحزاب الحاكمة وقادتها، وأدوارها مشهودة في كفاح الشعب العراقي منذ تأسيس الدولة الحديثة من اجل التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي.
ومن بين هذه الأحزاب "الصغيرة" الحزب الوطني الديمقراطي، الذي أسسه كامل الجادرجي ونخبة من ألمع الشخصيات الوطنية والفكرية في أوائل القرن العشرين، والحزب الشيوعي العراقي، والحركة الاشتراكية، والتيار الديمقراطي الذي يضم المئات من الوطنيين والديمقراطيين من مختلف النزعات الفكرية وبضمنهم إسلاميون تحرروا من اسر الأطر الطائفية المقيتة والتزمُّت الديني واستخداماته خارج أطره الإيمانية. بالإضافة الى منظمات مجتمع مدني، وأطر مستقلة عديدة.
وسواء تعلّق الأمر بالأحزاب "الصغيرة" أم مكونات التيار الديمقراطي أو الشخصيات المستقلة، فأنها جميعاً لم تتلوثْ بفساد المحاصصة الطائفية، ولم يشهد المجتمع في سلوكها ما يشي بالانحراف عن القيم الوطنية أو العمل على تمزيق النسيج الوطني تحت أيّ شعار كان، او تبني دعوات تصديع العملية السياسية الديمقراطية.
وخلافاً لما يريده "قادة الصدفة" في دولتنا المتعثرة، او حيتان المحاصصة الطائفية، فان الدول الديمقراطية تولي اهتماماً استثنائياً لوضع قواعد انتخابية تضمن تمثيل كل التجليات الاجتماعية والسياسية، مهما كانت صغيرة، وتشركها في الحياة السياسية. حتى أن بعضها يلعب دور "بيضة القبان" في تشكيل الحكومات وإسقاطها.
إن رد فعل رئيس دولة القانون وزعيم "حزب الدعوة"، على نتائج انتخابات مجالس المحافظات التي مُني فيها بالفشل، انعكس مباشرة بالدعوة لإلغاء قاعدة "سانت ليغو". والأدهى من ذلك أن ائتلافه كما ينقل نواب في أجواء التحالف الوطني، سرعان ما زاد على هذا بمطالبته بالعودة إلى نظام القائمة المغلقة.
ومن الواضح ان هذا الانحراف في مزاج رئيس مجلس الوزراء، ارتبط بإخفاقه في "تجريش" الحياة السياسية من منافسيه في التحالف الوطني "بحصد" اصوات ناخبيهم، وتحجيم دورهم في تمثيل المكون الشيعي، اذ كان يطمح الى تعبيد الطريق امام نزوعه المخالف للدستور بالانقلاب على العملية السياسية دون عقبات، والانتقال الى ما يسميه افتراضاً بحكومة الأغلبية السياسية، التي لا تعني عملياً، سوى الحكومة المرتهنة لإرادته المطلقة.
لقد توهم البعض من قادة دولة القانون بأن الاقتراع الشعبي، خصوصاً في المناطق الشيعية، سيرجح بفارق مطلق كفة القوائم والمرشحين الذين تحمل لافتاتهم الدعائية صور زعيمهم "المختار"، وأن ذلك سيضع حداً للمناكفات السياسية للمكونات الاخرى داخل التحالف الوطني، وربما يخرجها من اي فعل مؤثر في الحياة السياسية. وقد خابت ظنونهم وأصيبت اضغاث احلامهم بنكسة سياسية وكسيرة شعبية.
وامام كل الوقائع التي ترتبت على انتخابات المحافظات وما اسفرت عنها من نتائج وردود افعال، لابد ان تشرع جميع القوى التي انخرطت في التعبئة لفرض قانون سانت ليغو، وفي مقدمتها الفصائل الفائزة في التحالف الوطني، المستهدفة من قبل زعيم دولة القانون، في التحرك لتعبئة القوى الحية في المجتمع وزجها في العمل السياسي الفعال في مواجهة المساعي المشبوهة للعودة من جديد الى نظام القائمة المغلقة والغاء سانت ليغو. ولابد لهذه القوى مجتمعة وعلى انفراد أن تستعين بقوى الشباب الجسور الخلاق، وتستفيد من تجربة حركة "تمرد" المصرية بابتكار آلاف المبادرات في جميع المحافظات، سعياً وراء طموح تعبئة كل القواعد الشعبية المناصرة للعملية السياسية الديمقراطية والرافضة لسياسات الإقصاء والتهميش والانفراد والانفلات الأمني ونهب المال العام وتكريس فساد الضمير والذمة، لالحاق الهزيمة بهذه التوجه المتقاطع مع إرادتها.
لقد نسي رئيس دولة القانون ان مكونه السياسي، عند اختياره رئيساً لمجلس الوزراء "في اطار التحالف الوطني" لم يكن من حيث العدد ليسمح له بتبوء هذه المسؤولية لولا التعقيدات التي رافقت تغيير رئيس حزبه السابق، أملاً في ارساء نهج التداول السلس للسلطة، باعتبار ذلك أسّ العمل في النظام الديمقراطي.
ان الاحزاب والكتل والشخصيات "الصغيرة" في عرف بعض حيتان "لطش" الدولة وأموالها، بإمكانها البدء دون انتظار بأوسع المبادرات لإجهاض التوجهات المخلة بالعملية الديمقراطية، واستنهاض القوى الحية في المجتمع دفاعاً عن حقوقها ومستقبلها.
وبمثل هذه المبادرات ونجاحها في استنهاض حركة جماهيرية، تستطيع أن تفرض حضورها المقرر على الحيتان الكاسرة النهمة، وأن تسهم في معافاة العملية السياسية وتعزيز مواقع القوى المدنية، الديمقراطية.
جميع التعليقات 1
كريم الدهلكي
ماذا يريد سعد المطلي والرفيق المناضل على الشلاه والبروفسير عباس البياتي يعرفون انفسهم ويقدرون قيمتها ان شعبنا العراقي قد لفظهم واقسم بالله العظيم لو رشحو هؤلاء باي معقل شيعي انفسهم بالانتخابات وفازو بارادتهم فسوف اقوم بحمله لهم بالنيابه عنهم لجمع اموا