من حق كل إنسان ان يهوى ما يشاء ويمارس الهواية التي يحب. والهواية كالهوية، أحيانا، قد تدل على ثقافة وطباع صاحبها. لذا نجد لها حقلا في السير الذاتية التي تقدم لطلب الوظائف. لا تستغرب حين تتقدم لطلب عمل فيسألونك في المقابلة عن هواياتك. بعض أصحاب العمل يؤمنون بشعار "قل لي ما ذا تهوى أقول لك من أنت".
طبعا هناك هوايات ترفع من شأن صاحبها، اجتماعيا، وأخرى تنزله. فهاوي تربية الطيور (المطيرجي) ينظر له البعض نظرة دونية حتى قيل بان شهادته لا تقبل شرعا! لا أدري أية شريعة هذه التي تقبل شهادة هاوي جمع الدولارات عن طريق السطو على المال العام، مثلا، ولا تقبل شهادة مربي الطيور التي لم يسرق ثمنها ولا ثمن ما يطعمها به من أحد؟
نجد اغلبنا يفتخر حين تظهر على واحد من بناته او أبنائه علامات الاهتمام بهواية معينة، كالرسم أو الموسيقى والغناء أو التمثيل أو الشعر أو الكتابة أو الرياضة او في المجالات العلمية. لكن كثيرا من الآباء لا ينتبه الى ان عدم توجيه أبنائهم لتنمية هواياتهم بشكل صحيح قد يؤدي الى موت الهواية كموهبة او انها قد تتحول الى مصيبة. فمن يهوى التمثيل، مثلا، ولا يجد من يوجهه بشكل صحيح، فلربما يتحول من هاو الى محترف في التمثيل على الناس من خلال الكذب، بدلا من ان يصبح ممثلا مسرحياً او سينمائياً مرموقاً.
الأمر ذاته ينطبق على من يصبح عنده التمسك بالسلطة، وتعدد كراسيها، هواية خاصة عند الكبر.. مشكلة هاوي الكراسي في كبره، انه لم يمارس هوايته في طفولته كي يجد من ينميها لديه بشكل سليم فصارت اقرب للعقدة منها الى الهواية. والمشكلة تصبح اكبر لو ان صاحبها وجد نفسه يمتطي كراسي السلطة فجأة او "بالصدفة" بعد ان بلغ من العمر عتيا. ولأنه ما زال هاويا فتراه يستقتل في جمع اكبر عدد من الكراسي والمناصب. يشعر بالأمان كلما زادت كراسيه ويرتجف من الخوف ان ضاع منه كرسي واحد. انه، كما قال فرويد: لا يرتجف لأنه يخاف بل يخاف لأنه يرتجف. جاء في كتاب "كليلة ودمنة": "راكبُ السلطة كراكبِ الأسد، الناس منه في خوف، وهو من الأسد أخوف".
هاوي الكراسي، الذي ينقصه الإعداد الصحيح ويفتقر الى الموهبة والقدرة والفهم في كيفية ادارة الدولة، حين يفقد كرسياً حتى ولو في محافظة واحدة وليس في كل المحافظات، لا يفقد توازنه فيضيع المشيتين مثل الغراب، حسب، بل ينسى، حتى وان كان إسلامياً، انه جاء في الحديث الشريف: " رحم الله امرءاً جبّ الغيبةَ عن نفسه".
وسيأتيكم ربّاطُ الكلام.