بالامس كتب لي نائب عن ائتلاف دولة القانون "عتبا مريرا" لانني "لم اعد ارى سوى اخطاء المالكي وحزب الدعوة". والرجل ممن اعرفهم منذ ١٠ سنوات ولا اشك بشجاعتهم ولياقاتهم الادبية، لكن هذا لا يمنع ان نحاول جميعا تذكيره وتذكير حزبه بأن الوقت مناسب جدا لتغيير زاوية الملاحظة، من الان فصاعدا.ربما اكون انا وكل متظاهري ساحة التحرير والحاج السبعيني شيال الذي يقود تظاهرات في الناصرية متسائلا فقط عن المليارات التي تفشل في توفير الطاقة.. وربما يكون ايضا كل متظاهري غرب العراق، وقيادات الاحزاب المعروفة، والشريحة الاوسع من المثقفين.. ربما يكون لدينا "عداء شخصي" مع السيد نوري المالكي. ولكن علينا وعلى حزب الدعوة من الان فصاعدا، ادراك ان "نظرية المالكي في الحكم" سقطت من طهران الى واشنطن.
ولم نكن نتمنى ان يكون المالكي صاحب نظرية تمنى بالخسارة. وكنا جميعا نتمنى ان يسمع عشرات النصائح سواء تلك التي جاءت من الحاج شيال وباقي الجمهور المعترض، او تلك التي صاغها ممثلو مراكز القوى في البلاد.
ولا ادري اذا كان السيد النائب قد اطلع على مقال نشرته قبل سنة، بالضبط في ازمة سحب الثقة، تحت عنوان "كي لا نخسر حزب الدعوة" وسأحرص على ايصاله له سريعا، فقد كان يتضمن وجهة نظري وآخرين ممن نشعر ان هذا الحزب ممثل لآلاف العوائل التي ناضلت ضد استهتار نظام صدام حسين، وأننا نتألم حين نجد انفسنا مضطرين للصراخ في وجوه قادة الحزب بهذه الطريقة.
ولكن من الان فصاعدا، فان اي "مشكلة شخصية" بين المالكي والحاج شيال وجمهور المحتجين، (او بيني وبين المالكي لا سمح الله)، ستتضاءل اهميتها. فنحن امام حقائق سياسية جديدة يستسلم لها الجميع في نهاية المطاف، والنظام التعددي العراقي على علاته، اثبت انه يشتغل وينجح في تصحيح نفسه، وأن اشياء كثيرة تغيرت، وأشياء اكبر ستتغير. ولن نكون شامتين.
نعم، شعرنا بالسعادة لان تداول السلطة يعاقب الفاسدين وناقصي الخبرة والتأهيل ويخبر خلفاءهم بأن العراق ليس مكانا مناسبا لظهور صدام حسين آخر.وشعرنا بالسعادة لاننا كنا على حق حين تمسكنا بأن النظام الفتي في العراق سيصمد ازاء كل "جنون السلطة" وسينجح في كبح متواصل لجماح الدبابات والهليكوبترات الرائحة والغادية والمهددة بنسف كل تسويات الاستقرار. وأننا لم نكن نشيد احلاما على الرمال كما حاول ان يقول آخرون ظلوا يسخرون منا ويكتفون بترديد ان "المالكي سيأكل الجميع".
لن نشمت بالدعوة كاتجاه سياسي، لان السخرية من حزب بهذا التاريخ، ستكون سخرية من الدماء العراقية التي سالت في مواجهة شجاعة مع دكتاتور اهوج منذ السبعينات. وستكون سخرية من امهاتنا وجداتنا اللواتي ذرفن الدمع على شهداء حركة النضال والجهاد.
ولكن اعتزازنا بتاريخ هذا الحزب لن يكمم افواهنا امام اساءة استخدام السلطة بالطريقة التي شاهدناها خلال ٨ اعوام من ولايتي المالكي. والاعتزاز بالحزب وبكل الاشخاص الجيدين في قيادته وتنظيماته وبين انصاره، تفرض علينا ان نتمنى ولا شك ان يبرهن الحزب انه ليس محتكرا من وجهة نظر واحدة عنيدة ترفض مناقشة خطاياها الكبرى. وأننا بحاجة الى ان نرى دليلا على حياة الحزب يثبت انه قوي، لا في استخدام "ملفات" غامضة، بل في الاعتراف بأن ما حصل هو امر جليل وخطير ويستحق وقفة.
حزب الدعوة هو اكثر جهة في البلاد اليوم تشعر بحجم التغيير الحاصل في موازين القوى الداخلية، وان اي تغيير في قوانين الانتخابات، لن يغير قوانين التاريخ الصعبة، وأن الجمهور يحصل كل يوم على عين وأذن اضافيتين، وأن المدن التي كان يسهل قيادها من غرفة في بغداد، بدأت تتعلم اليوم كيف تشتغل السياسة، وأن جيلا من الشباب خرج من خرائب الحروب ونهض تدريجيا من تحت الرماد، بدأ بتقديم نكهة مغايرة وخيارات اكثر جرأة.. وأن العديد من "شيوخ العملية السياسية" ليسوا مجرد رجال يجري بيعهم وشراؤهم، ذلك ان موازين القوى في بلد معقد مثل العراق، ارسخ من ان يجري ابتلاعها بغواية صغيرة هنا او صفقة حقيرة هناك.
انها ٨ اعوام من ولايتي حزب الدعوة، تقدم درسا بليغا في كيفية فهم خطايا نظامنا الثقافي المصاب بألف عاهة، وتقدم فرصة لمراجعتها. انها اكبر من مجرد "مشكلة شخصية" او طمع آني في نفوذ او مال. وليس هناك افضل من هذا الوقت، كي يقوم حزب هو جزء من تاريخ اجتماعي لا ينسى، بمراجعة كل ما حصل، بهدوء وبضبط الاعصاب كي تنجح محاولات التصحيح الهادئة. القواعد تغيرت من الان فصاعدا، وحزب السيد نوري المالكي اكثر من يستشعر هذا.
ما يحسن بحزب الدعوة مراجعته
[post-views]
نشر في: 23 يونيو, 2013: 10:01 م