أعرف، كما كثيرون غيري، أن ممّا يغيظ فريق رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي كثيراً المقارنة بين التقدم الحاصل في إقليم كردستان العراق في مختلف مجالات الحياة، وبخاصة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبين ما تعيشه سائر مناطق البلاد الخاضعة لسلطة حكومة المالكي من تخلف وسوء في الحال الأمنية.
ولابد أن فريق المالكي قد أصيب بالغمّ وهو يرى واحدة من وكالات الانباء الدولية المرموقة، هي فرانس برس، تبث أمس الأول تقريراً إخبارياً يعكس حقيقة الرخاء النسبي المتكرس في محافظات أربيل والسليمانية ودهوك في مقابل انعدام الأمن وتردي الخدمات العامة وتفشي الفساد المالي والإداري وتفاقم الفقر والبطالة في محافظات البلاد الأخرى.
مما جاء في تقرير الوكالة ان اقليم كردستان "يشهد تطوراً وازدهاراً سريعاً فيما يعيش وسط وجنوب البلاد موجة عنف متواصلة"، وان "الأوضاع الاقتصادية في الإقليم وعاصمته أربيل تنمو بشكل متواصل وسريع مقارنة مع باقي المناطق التي يسكنها العرب في وسط وجنوب العراق".
غالباً ما يتحجج المتحمسون للمالكي، عند الحديث في مقارنة كهذه، بان الإرهاب المدعوم من أطراف في العملية السياسية هو المسؤول عن عدم قدرة الحكومة الاتحادية على إنجاز ما تريد تحقيقه من رفاه وازدهار.
ومن دون التقليل من مسؤولية الإرهاب والإرهابيين عمّا يجري في البلاد، فان سوء الإدارة هو المسؤول الأول والأكبر عن انعدام الأمن وتفاقم تخلفنا. مع حسن الإدارة كان يمكن حلّ الأزمة السياسية المزمنة أو التخفيف من وطأتها، والإرهاب وانفلات الأمن لهما علاقة وثيقة بهذه الأزمة، فوراء الكثير من أعمال الإرهاب والعنف قوى سياسية، هي نفسها القوى السياسية التي تدير الصراع الطائفي الشيعي– السني. ليست "القاعدة" ولا فلول النظام السابق مسؤولين وحدهم عن التفجيرات والهجمات المسلحة، فأكثر من نصفها ناجم عن الصراع الطائفي السياسي.. هذه حقيقة قائمة حتى لو أنكرها من لا يريد الاعتراف بها للتغطية على دوره فيها.
ومن سوء التفكير والتدبير والإدارة قيام المالكي على نحو كيفي باستثناء بعض ممولي الإرهاب والواقفين وراءه من أحكام قانون المساءلة والعدالة لتمكينهم من دخول البرلمان والحكومة.. ومن سوء الإدارة أيضاً استعانة المالكي بمجرمين من قوى الأمن في العهد السابق للخدمة تحت امرته في أجهزة الأمن الحالية، بما فيها الجيش، مما يمكنهم من تسهيل عمليات الإرهاب.
وسوء الإدارة هو ما يسمح بإطلاق أيدي الفاسدين والمفسدين في جهاز الدولة لنهب المال العام وتمويل الإرهاب وتعطيل التنمية ومنع إعادة الإعمار.
لا يتمتع اقليم كردستان بالحصانة ضد الارهاب، ولا يتنزه كل المسؤولين فيه من الفساد المالي والاداري، لكن الفرق هو في الادارة .. هناك ادارة جيدة بحدود معقولة تسمح بتعاون الناس مع السلطات الحكومية في المراقبة والكشف عن المحاولات الإرهابية قبل وقوعها.. وهناك إدارة جيدة بحدود معقولة تحدّ من نسبة الفساد المالي والإداري وتجعل الفاسدين والمفسدين لا يبالغون في فسادهم الى حد تهريب كل ما يستحوذون عليه الى الخارج كما هم فاسدونا... فاسدو كردستان يستثمرون "أموالهم" في الإقليم، وهذا مما يساهم في ازدهاره، بخلاف فاسدينا الذين يستولون على الجمل بما حمل.