ذات مرة، كتب على قبر احدهم "هنا يرقد السياسي والصادق فلان" حينها ظهرت مقولة لكاتب قال فيها: انها أول مرة يدفن فيها اثنان في متر واحد.. في هذه القصة أشاره إلى أن السياسة والصدق نادرا ما يجتمعان في إنسان، اذن، تكون مهمة السياسي اذا كان يشغل منصبا قياديا ان يتقن فن التأثير على الآخرين عبر كلماته ومنطقه لأننا في عصر ذي موصفات جديدة، اذ لم يعد التفوق فيه يعتمد على التميز والصدق بقدر ما يعتمد على الشطارة والقدرة على الإقناع والوصول الى عواطف الناس وانفعالاتهم وتحريكها بما يخدم مصلحة السياسي....قد تراودكم مثل هذه الأفكار حين تجلسون أمام شاشات التلفاز فيبرز بين دقيقة وأخرى رجل سياسة يتحدث بلغة العصر الاستعراضية ويسبغ على حديثه حجج الإقناع والتأثير في الآخرين ليصدقه الناس وبالتدريج، يجد البعض انفسهم عاجزين عن فهم ما يدور حولهم فالكل يريد ان يصدق الناس حجته ووسائل الإقناع تزداد " فهلوة " مع كل تصريح جديد ومعها تزداد الحيرة والعجز عن فهم ما يدور حولنا..
ولأن الصدق قارة لم تكتشف بعد، مازال العديد من المسؤولين يواصلون الخوض في وحل الفساد المالي والإداري مستخدمين كل وسائلهم لفضح ملفات بعضهم البعض وإدانة احدهم للآخر بتهمة الفساد عسى ان يصدق المواطنون اتسامهم بالصدق والأمانة والنزاهة بينما يواصل العراق بالتالي تسلقه سلم اكثر الدول فسادا في العالم..ولكن، هل تقع مسؤولية الفساد على المواطن ذاته كما يقول بعض أعضاء هيئة النزاهة لأن عليه ألا يصمت حين يرى الفساد وان يبلغ الجهات المختصة..قد يسلك اغلب المواطنين هذا السلوك لكيلا يتحولوا الى شياطين (خرسان) فهم المتضررين قبل غيرهم من الفساد لكن شجاعتهم في قول الحق وكشف الفساد تنتهي عند هذا الحد وتبدأ مهمة الجهات المسؤولة بمحاربة الفساد ومعاقبة الفاسدين والمفسدين، وهنا تكمن المشكلة، فمن المعروف حاليا ان الفساد السياسي في العراق اكثر من الفساد الوظيفي وان موظفا يمد يده ليغرف من خيرات بلده بسبب حاجة مادية او شهوة لا تقاوم أمام المال العام معللا سلوكه بأحقيته في اخذ ما يعود اليه أصلا لا يقارن حقيقة بسلوك المسؤول الذي يدافع عنه ليعم الخير على الاثنين معا او الكتلة الحزبية او الجهة السياسية التي تأوي السارقين وتحميهم مقابل ما يدفعونه كضريبة تضمن حمايتهم...
الفساد في بلدنا اذن سياسي قبل كل شيء وما حصل قبل الانتخابات لهو مثال بسيط عليه فقد شكل البعض أحزابا ضمت أولادهم وأقاربهم للحصول على مال اكثر من مموليهم، كما تمكن البعض من توظيف المقربين منه ضمن هيئات مراقبة الانتخابات ليضمنوا حصولهم على الرواتب أولا ثم مساعدتهم لهم في ملء الاستمارات الفارغة بأرقامهم الانتخابية وزجها في الصناديق لزيادة عدد أصواتهم...والأمثلة على الفساد السياسي في بلدنا لاتعد ولا تحصى فهناك ازدواجية الجنسية التي استغلها بعض المسؤولين في الفرار من البلاد في حالة أدانتهم بالفساد وتبادل القاء الكرات في ملاعب بعضهم البعض لدفع تهم كبرى عن انفسهم كصفقات الأسلحة وأجهزة كشف المتفجرات وتمويل الإرهاب فضلا عن شهاداتهم المزورة وغير ذلك..
بلدنا الرائع متخم بقصص سياسية تؤهله للفوز بمركز متقدم في سباق الفساد العالمي بينما يفشل مجلس النواب بالقيام بدوره الرقابي الذي يقع ضمن مهامه الأساسية كما يقول الدستور مادامت هناك توافقات سياسية تغطي على فساد النواب انفسهم...ولأن العفن ينتشر في جسد السمكة كلها اذا أصاب الفساد رأسها فلا سبيل اذن إلى نجاح قرار كشف الذمم المالية للمسؤولين مؤخرا ما داموا يتمتعون بحماية (الرؤوس الكبيرة) الفاسدة!!
فهلوة (سياسية)
[post-views]
نشر في: 24 يونيو, 2013: 10:01 م