TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > "رئيس جمهورية" البصرة

"رئيس جمهورية" البصرة

نشر في: 24 يونيو, 2013: 10:01 م

 الكثير من المعلقين العراقيين وجدوا في مصادقة البرلمان نهار الأحد على تعديل صلاحيات الحكومات المحلية "تحولا ثوريا" في مسار اللامركزية يحصل للمرة الأولى في تاريخ العراق الحديث منذ انهيار صيغة الولايات الثلاث في العهد العثماني والتي كانت تحظى في القرن ١٩ بلامركزية ملحوظة جرى الغاؤها تصاعديا مع هيمنة اقسى أشكال "حكم العصابة".

ولا ندري الى أي حد سيتفهم النظام الإداري الحالي وتراكماته الطويلة هذا التحول التشريعي الذي يمثل اقترابا في مفهومه وغاياته، من الصيغة الاتحادية النهائية التي وردت في الدستور وبقيت ناقصة التطبيق منذ نهاية ٢٠٠٥. ولكن بات في وسع المحافظات التي تعتقد ان الصيغة البيروقراطية في بغداد تعيق تدبير شؤون الجمهور من قبل الحكومات المنتخبة، ان تطالب بتحويل الصلاحيات الجديدة الى واقع عملي بالتدريج ولا سيما في الفقرات المتعلقة بالجهازين القضائي والأمني في المحافظات لصلة ذلك بوضع شائك في المدن التي تشهد مظاهرات مستمرة منذ الشتاء.
اما ما يصيبني بالدهشة الآن فهو عملية حسابية أجريتها تتعلق بكل المدن التي تنتج النفط وعلى رأسها البصرة. فالقانون الجديد رفع مبلغ البترودولار المخصص للمحافظات المنتجة، من دولار لكل برميل، الى ٥ دولارات. وفي البصرة التي تنتج مليوني برميل يوميا او اكثر حسب المعدل التصاعدي للحقول العملاقة هناك، ستكون في اختيار الحكومة المحلية التي صارت من نصيب المجلس الأعلى،  ميزانية تقترب من حجم ميزانية الأردن (نحو ٥ او ٦ مليارات دولار) مع ان البصرة يعيش فيها نحو نصف سكان الأردن فقط (مع هجرة متواصلة للبصرة يتحدث عنها المسؤولون بسبب تزايد الاستثمار في قطاع النفط والتبادلات التجارية في الموانئ ومع الكويت والسعودية وايران).
كانت البصرة تحصل على نحو ٨٠٠ مليون دولار، واليوم سيتضاعف الرقم ٥ مرات ليصبح نحو ٤ مليارات دولار أميركي مع موازنة إضافية من بغداد تربو على مليار دولار. وهذا ليس غريبا على منطقة كانت قبل النفط تأتي منها نصف عوائد العراق المالية، كما يذكر مؤرخو نهايات العهد العثماني، عبر الترانزيت البحري وتصدير كميات هائلة من التمور إلى أوروبا وأميركا.  
لكن النظام الاداري في البصرة سيواجه نوعا من الصدمة، فقد فشل العام الماضي في انفاق ملياري دولار على المحافظة وتحجج بأن بغداد تعرقل المشاريع، فكيف سينجح في انفاق نحو ٥ مليارات دولار على الموازنة الجديدة.
ان المشكلة الأساسية في البصرة هي غياب الجهد الاستشاري المناسب، وسيكون المتابع أمام مقارنة صعبة اذا لاحظ ان تجربة كردستان التي صارت رائدة، تعتمد مثلا على شركة ألمانية تعمل كمستشار دائم وتقدم أفكاراً لاستقطاب الاستثمارات. وشركة أخرى تقدم المشورة في مجال إصلاح النظام الإداري، وغيرها في تصميم خطط للارتقاء بوضع البنى التحتية الى المعايير المعمول بها دوليا. وكل هذا لم نسمع به لا في البصرة ولا بغداد رغم جدل طويل عريض صار مملا.
ويمكن للبصرة ايضا ان تتحول الى مكان استقطاب لكفاءات عراقية مميزة كي تحاول ان تعوض الهجرات القاسية التي شهدتها منذ الستينات بعد اكثر من "تحول ثوري متسرع" وحروب كثيرة. كما يمكن للمدينة ان تتذكر "البصاروة" الذين يعملون كرجال أعمال كبار في لندن والخليج وأميركا وهونغ كونغ، وهؤلاء سيكون لديهم الكثير اذا وفرت الإدارة الجديدة والقانون الجديد، بيئة عمل مناسبة.
اهل البصرة ينتظرون حدثا كبيرا لم يحصل لهم منذ إلغاء "بصرة ولايتي" في العهد العثماني يوم كان رجال السوق وكبار البحارة يحظون بكلمة مسموعة عند الوالي وطاقمه السياسي بسبب سيطرتهم على العوائد المالية. ويمكن ان يخرجوا عن جزء من سلبيتهم اليوم ليؤسسوا هيئة مدنية تقوم بمساءلة السلطة المحلية عن خططها لانفاق هذا المال الضخم بشكل مناسب.
ان محافظ البصرة الجديد ماجد النصيراوي سيمتلك إمكانات "رئيس جمهورية" وستتضاعف مسؤولياته مع مال يوازي موازنة بلد مثل الاردن. ازدهار البصرة يمكنه ان يكون اسرع من سواها لاسباب كثيرة، سيشجعها المال الوفير. وأي ازدهار في البصرة سيحمل عن بغداد عبئا كبيرا ويتحول الى عامل مساهم في نهضة كل المنطقة الجنوبية، كما سيؤدي ذلك الى تطور العلاقة الاقتصادية مع باقي اطراف التجارة في العراق من كردستان والموصل وحتى الفرات الأوسط، ستجعل النهوض الاقتصادي في الجنوب عاملا اضافيا للشراكة السياسية يمكنه ان يساعد على صناعة التهدئة المسؤولة والراسخة، ويجعل في أيدينا ما يفترض ان يشغلنا عن فكرة الحرب، لان الخير الوفير (عند العقلاء)، يمكن تقاسمه بألف طريقة عادلة.
 

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: ماذا يريد سعد المدرس؟

العمودالثامن: الخوف على الكرسي

العمودالثامن: قضاء .. وقدر

العمودالثامن: لماذا يطاردون رحيم أبو رغيف

لماذا دعمت واشنطن انقلابات فاشية ضد مصدق وعبد الكريم قاسم؟

العمودالثامن: أين لائحة المحتوى الهابط؟

 علي حسين لم يتردد الشيخ أو يتلعثم وهو يقول بصوت عال وواضح " تعرفون أن معظم اللواتي شاركن في تظاهرات تشرين فاسدات " ثم نظر إلى الكاميرا وتوهم أن هناك جمهوراً يجلس أمامه...
علي حسين

كلاكيت: رحل ايرل جونز وبقي صوته!

 علاء المفرجي الجميع يتذكره باستحضار صوته الجهير المميز، الذي أضفى من خلاله القوة على جميع أدواره، وأستخدمه بشكل مبدع لـ "دارث فيدر" في فيلم "حرب النجوم"، و "موفاسا" في فيلم "الأسد الملك"، مثلما...
علاء المفرجي

الواردات غير النفطية… درعنا الستراتيجي

ثامر الهيمص نضع ايدينا على قلوبنا يوميا خوف يصل لحد الهلع، نتيجة مراقبتنا الدؤوبة لبورصة النفط، التي لا يحددها عرض وطلب اعتيادي، ولذلك ومن خلال اوبك بلص نستلم اشعارات السعر للبرميل والكمية المعدة للتصدير....
ثامر الهيمص

بالنُّفوذ.. تغدو قُلامَةُ الظِّفْر عنقاءَ!

رشيد الخيون يعيش أبناء الرّافدين، اللذان بدأ العد التّنازلي لجفافهما، عصرٍاً حالكاً، الجفاف ليس مِن الماء، إنما مِن كلِّ ما تعلق بنعمة الماء، ولهذه النعمة قيل في أهل العِراق: "هم أهل العقول الصّحيحة والشّهوات...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram