في مشهد يثبت بالدليل القاطع أننا خير أمة في فنون السحل والقتل، شاهدنا أمس كيف هلل وصفق عدد من المصريين، وهم يسحلون مواطنين مصريين أيضا، مرددين بفرح: الله أكبر ظهر الحق وزهق الباطل. والحق في نظرهم هو قتل كل من يختلف معهم في الرأي والعقيدة، والباطل هو كل مواطن لا يؤمن بما كتبه شيوخ الفتنة ذات يوم: " مهمتنا تنظيف هذه المجتمعات من أهل الجاهلية ".
إرهابيون بلباس شيوخ، وبخطاب يتخذ من الدين ستارا، يريدون إصلاح المجتمع بقتل الآخرين.. معتقدين أن الحقيقة المطلقة ملك يمينهم.. يتصورون أن العنف ضد المجتمع مشروع ومقدس.. يحملون في جيوب " دشاديشهم " تصريحاً إلهياً بتقسيم المجتمع إلى كفار ومؤمنين.. طرق نادرة من الهمجية التي تخصص بها القدر السياسي في بلاد العرب والمسلمين، حيث ننشئ كل يوم مزارع لتربية نوعية من الوحوش المنقرضة، سيقول البعض إن الفيديو الذي شاهدناه أمس هو نتيجة طبيعية للصمت على فتاوى شيوخ التطرف الذين وجدوا في الشعب السوري ومن قبله العراقي ومن بعده الليبي والمصري، ساحة لتجريب فنون القتل والسحل وأكل الفهود وقطع الرؤوس.. بعد أن جربنا مع قادة الجمهوريات العربية " المناضلة "، أخبار الدماء ورائحة الجثث في الطرقات.. و مشاهد التعذيب وتعليق الخصوم في قبو النسيان.
ما حدث في إحدى قرى مصر أول من أمس يتعلق بحالة الانحطاط التي وصل إليها العقل العربي، وهو أمر يتجاوز كثيرا حدود غريزة الثأر التي تميز بها العرب " الأشاوس ".
حادث "السَّحل" لم يكن مجرد قتل بزعم الدفاع عن العقيدة والشريعة، فقد تمت تعرية الضحايا وسحلوا عبر طرقات القرية التي اشتعلت بهتافات الانتقام و" الهلاهل "، ثم رموا الجثث وهي مسلوخة ودامية في أقرب طريق، وحولها كانت فلاشات الهواتف النقالة تلمع لتصوير المشهد الخالد، مع تكبيرات النصر" الله أكبر. النصر للإسلام"!
في روايته "جسر على نهر درينا" يكتب " ايفو اندريتش ": "عندما تنصبّ كراهية الناس على شيء أو أمر معين فإنها لا تتخلى أبدا عنه، ولا تتوانى عن التفكير الدائم فيه، فتصبح الكراهية غاية بحد ذاتها". الكراهية كما يصفها فولتير" تبدأ صماء وعمياء لكنها لا تظل بغير توجيه ممن يجدون لهذه الكراهية أكثر من مسوغ ".
من أوصلنا إلى مشهد " سحل " الناس في الطرقات، ومن قبله مشاهد كانت فيها الناس تذبح بدم بارد، بمباركة وهتافات شيوخ الفضائيات الذي رأوا فينا أقواماً خارجة على الملّة.. موهمين البسطاء أن طريق الجنة مفروش "لأكلة لحوم البشر".. متناسين أنهم يفتحون بخطاباتهم وفتاواهم كل يوم باباً جديداً للهمجية والوحشية باعتبارها مفتاحاً للإيمان.
ألم يخبرنا المتنبي ذات يوم أن " لكل امرئ من دهره ما تعودا... وعادة سيف الدولة الطعن في العدا".
وعادتنا اليوم الطعن في أبناء البلد.. لنعيش في غزوات وحروب لا تنتهي.. " كرّوا وأنتم أحرار" وبغير الكرّ والفرّ على الآخرين لا حرية في الدنيا ولا جَنّة في الآخرة ! هكذا تعلمنا دفاتر شيوخ الفتنة.. لا شيء غير الطعنة النجلاء في أجساد من لا يؤمنون بأفكارنا.
صرنا نقتل باسم الإسلام، ونأكل الأكباد ونحن نكبّر ونهلّل، سقط في حروب قطع الرؤوس وسحل الأبرياء أضعاف مضاعفة ما قدمه العرب مجتمعين في حروب التحرير من الاستعمار.
بالأمس لم يجد الرئيس الإخواني لمصر، مبرراً لعجزه وفشله في إدارة البلاد إلا اللعب بالورقة الطائفية، ورقة البحث عن عدو.. والعدو بالتأكيد هو كل من يقف ضد شهوة السلطة والتهام الوطن.. كل من يختلف مع الحاكم كافر ويجب سحقه، كما قال أحد الشيوخ في حضرة مرسي الذي ابتسم ورفع يده بشارة النصر، متوهماً أنه واحد من الذين حرروا أوطانهم من أقوام الجاهلية.
مشهد السَّحل يخبرنا بوضوح انّ كل الكلام الكبير عن دولة القانون والعدالة الاجتماعية، إنما يعني بالنسبة لهذه النوعية من السياسيين والمسؤولين هي الدولة التي يتحول فيها كلام المسؤول إلى "دستور إلهي" ومن يختلف مع أفكار الحاكم لا يختلف مع بشر من لحم ودم ولكنه يختلف مع كلام الله. ولهذا نراهم يتسابقون في الخديعة بدءاً من دولة "ماننطيها" في بغداد ومروراً بإمارة "أهلي وعشيرتي" في مصر، وانتهاء بنشيد بشار الأسد " لبيك ياعلم العروبة.. كلنا نحمي السَّحل".
جميع التعليقات 2
ناجي زليزل
أول مقالة لعلي حسين الحزين تنتهي بنكتةٍ !
ناجي زليزل
أول مقالة لعلي حسين الحزين تنتهي بنكتةٍ !