يترقب أهالي بغداد ما سيفعله محافظهم الجديد ورئيس وأعضاء مجلس المحافظة الجدد، لإزالة التشوّهات التي لحقت بمدينتهم التاريخية الجميلة، فتقطعت أوصالها، وخلَت من ألوانها الزاهية، وشُلّت شوارعها، وأُغلِقَت حاراتها، وجُرِشَتْ بساتينها وحدائقها وأشجارها. لكن الأمَرَّ من هذا الخراب الذي حلَّ ببغداد فأفسد هواءها، واستلب منها محاسنها، ما تعرض له البغاددة، من تغريب واغترابٍ عن هويتهم التاريخية والإنسانية، بعد أن أرهقتهم صروف الحياة، وانتزعت من نفوسهم تغريدتها، وعبثت حتى بملامحهم الودودة الكاشفة، فغابت عنها مظاهر الفرح والتفاؤل والملاحة التي منها استمدت "البغددة " معناها ومبناها التَرِف.
وليس وارداً أن نتوقع من مجلس المحافظة الجديدة وقادتها، إيجاد حلول سحرية، لحزمة المعاناة المكدرة، التي يواجهها أهل بغداد، كما المحافظات الأخرى، والتي تبدأ من الظلام الذي يلتفعون به لانقطاع الكهرباء الدائم، مروراً بانعدام الخدمات الضرورية لحياة آدمية سوية، وتراكم الفضلات، وتراجع الخدمات الطبية، وتدهور التعليم وانعدام أدواتها من الأبنية إلى الكتب، وقائمة لا تنتهي من متطلبات العيش.
ولن تبدو كل هذه المعاناة، بما تشكله من ضغط وعنت وسوء طالع، كبيئة رخوة بلا مساند إنسانية للعيش، دون ربطها بحالة الأمن المنفلت، وغياب مصدات الإرهاب والتصفيات السياسية، والقتل والخطف والاغتيال بالكواتم على الهوية.
ومن المحال أيضاً أن نعرض مصداقية مجلس محافظة بغداد للتجريح، فنطالبها بتصفية ظاهرة البطالة بين الشبيبة على الأقل، او تخفيض معدلات الفقر المدقع بين ملايين المواطنين، او توفير وجبة طعام لمن يبحثون في الفضلات عن قوت عوائلهم. لن نطلب منهم كل هذا، وكأننا بذلك نضع وطنيتهم وإخلاصهم، وصدق نواياهم بتنفيذ برامجهم وشعاراتهم التي أغروا الناخبين بالتصويت لهم، على المحك. ونحن نعرف ان ملفات فساد السلف "المشكول الذمة" من حواسم المجلس المنتهية ولايته، يحتاج إلى إرادة التغيير، ووتيرة متسارعة من العمل لتصفية مخلفات تلك الملفات.
إن مطالب أهالي بغداد وربما المحافظات الأخرى، اقل من ذلك بكثير، حتى قد تبدو من بساطتها، وكأنها تساق من باب السخرية. فهل بإمكان الحكومة المحلية البغدادية الجديدة ان تنهي معاناة أبنائها من أكوام الفضلات المنتشرة في كل شارع ومحلة ومنطقة، فتزكم الأنوف بروائحها النتنة، وتتطاير منها الاوبئة والامراض.
وهل بإمكانها، المباشرة باتخاذ ما يلزم لإعداد بغداد لموسم ماطر جديد فلا تغرق العاصمة ولا يسبح أطفال المناطق الشعبية وأهاليهم في أحوالها ومياهها الآسنة؟
هل بإمكان حكومة عاصمتنا المختلة الأعصاب لسوء أقدارها، ان تحمي مواطنيها من الزحام الخانق الذي تسببه السيطرات الأمنية التي لا نفع فيها لحماية أمنهم من الإرهاب والتعديات. وهل لها أن تتخذ قراراً شجاعاً تفرض بموجبه إلغاء استخدام دمية الأطفال المسماة "جهاز كشف المتفجرات"؟
ولعل مطلباً آخر، يحول دون الإمعان في تقطيع أوصال بغداد وتشويهها، على حكومة بغداد أن تحققه لأهاليها، والاستجابة له لا تحتاج إلى موازنة، ولا إلى جهد بدني من كوادرها، بل تتطلب قراراً ملزماً أو قانوناً يُشرع.
والإجراء، غير المكلف، لكن الشديد الأهمية للحفاظ على ما تبقى من ملامح بغداد المدينة، يتعلق بمنع توسيع العشوائيات "المقوننة" التي تتشكل من تقسيم قطع الأراضي التي تزيد عن ثلاثمائة متر، بل وحتى مائتان، وأحياناً مئة، من قبل التجار والمكاتب العقارية والمرابين، وبيعها بأضعاف أسعارها لتيسير بنائها بيوتاً بلا ملامح ولا هوية تنسجم مع طراز مناطق بغداد.
انه تحدٍ، من شأنه إثارة غضب كثرة من المستفيدين، ومنهم مسؤولون كبار، ورجال أعمال من حديثي النعمة ومواسم وحيتان متناسبين مع أركان دولتنا الفاشلة.
هل لحكومة بغداد الجديدة، بمحافظها ورئيس مجلسها وأركان لجانها، أن تبدأ بمثل هذه المطالب المتواضعة في الفترة القصيرة التي تسبق الانتخابات التشريعية القادمة، فتحصل بذلك على ثوابين، ثواب الوفاء بالقسم، وثواب خدمة المواطن الذي وضع فيهم الثقة.!؟