TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كتابة الرسائل هي الحل

كتابة الرسائل هي الحل

نشر في: 25 يونيو, 2013: 10:01 م

أنه هو: إدوارد سنودين الذي كشف الأمر، عن طريق مقابلة بالفيديو، أعطاها لصحيفة الغارديان البريطانية. في المقابلة تلك تحدث العميل السري السابق، كيف أنه وقع صدفة على الوثائق الحاسمة التي تبين عمليات التجسس والمراقبة التي يقوم بها جهاز المخابرات الأميركي أن أس آ عالمياً.
كان الأمر واضحاً بالنسبة لسنودين، بأنه وعلى عكس ما حدث في قضية ويكيليكس من قبل، بأنه سيختار ستراتيجية أخرى غير تلك الستراتيجية التي اتخذها مسرب المعلومات لويكيليكس الذي يمثل أمام المحكمة في جورج ميد في أميركا جندي البحرية الذي خدم في قاعدة عسكرية قريبة من بغداد، برادلي مانينغ. سنودين لم ينتظر خائفاً وهو قابع في مكان ما، خائفاً أن يكتشف أحد هويته، إنما بحث بنفسه عن الشكل المناسب الذي يظهر فيه أمام الرأي العام. لقد أراد أن يروي بنفسه، لا ينيب أحداً عنه، وذلك ما جعله يلجأ لتسريب المعلومات مباشرة. وأيضاً لكي يضمن ألا يأتي شخص آخر مثل آسانج ويسرق منه بريق الظهور الإعلامي العالمي. وكما يبدو لم يجد سنودين معيناً له أو أهلاً بالثقة لتسليم المعلومات غير الصحفيين، فهو لم يخزن معلوماته على قرص خاص ويعرضها في الانترنت، إنما عرضها في الصحافة.
منذ سنوات وهناك بعض الناس يدورون حول العالم من مكان إلى آخر محذرين، لكن الرأي العام ينظر إليهم بصفتهم حمقى لا غير، خاصة السلطات الرسمية تحدثت عنهم بهذا الشكل. لأنهم وفي محاضرات لهم تحدثوا عما هو غير قابل للتصور: بأن وكالات الخدمة السرية الأميركية (أجهزة الاستخبارات) تسجل مضامين كل المكالمات التلفونية العالمية وتضعها في الأرشيف. وأن السلطات هذه تجمع أيضاً كل الرسائل الألكترونية وتخزنها. نظريات المؤامرة كان يُطلق غالباً على هذه الادعاءات. وكان أقل ما يقوله المسؤولون السياسيون لهم: اذهبوا للعمل أفضل لكم.
حجم التجسس، كما عُرف الآن عن طريق فضيحة التجسس الأميركية، يبدو للوهلة الأولى يأتي ذاته من نظرية بالمؤامرة سيئة. المشكلة هي فقط: أن ما يحدث لا علاقة له بالنظرية. أنه بالفعل مؤامرة.
"مهندسو أمن" رسميون، كما يُطلق على العاملين في برامج التنصت الأميركية لشركة بريسم، يتعدون هنا ببساطة وعلى نطاق العالم كله، على حقٍ أساسي من حقوق الإنسان، حق يعتبر في العديد من الديمقراطيات الغربية إحدى الدعامات الأساسية للمجتمعات الغربية، ولا أدري إذا اعتبره المواطنون بسذاجة، بأنهه حقهم الذي لا يُمس! في ألمانيا مثلاً، حيث ما تزال في الذاكرة ذكرى نظامين توتاليريين طرية (النظام النازي والنظام الشيوعي)، يعرف الناس ماذا يمكن أن تفعل مراقبة شاملة للحياة الخاصة للناس، لذلك حجم ردّ الفعل في ألمانيا كان أكبر من ردود الفعل الأخرى في الدول الأوروبية الأخرى. ليس من الغريب أن تطلب المعارضة الألمانية توضيحاً كاملاً من جهة الحكومة الألمانية، كما تحذرها مقدماً من اللجوء إلى الحجة التقليدية المعروفة سلفاً والتي تمنع طرح أسئلة عن المعلومات التي تملكها الأجهزة السرية الألمانية، تحت الذريعة التي تقول: الدولة تقرر في أفضل الأحوال لوحدها، وبأن مراقبتها لا تلحق الأضرار بالمواطنين.
نفس الحجة يستخدمها الرئيس باراك أوباما اليوم، بإشارة منه إلى ضرورة إجراءات المراقبة عن طريق أجهزة مخابراته السرية، وحسب ما قاله لمواطنيه الأميركان، "من يريد أمناً كاملاً، لابد وأن يتنازل عن بعض الحريات". أنها الحجة ذاتها التي تتذرع بها الحكومات الديكتاتورية!
سنودين اختفى (حتى كتابة هذا العمود) من مكان إقامته الذي لجأ إليه أولاً، هونكونغ، ولا أحد يدري وجهته، ربما لأنه لم يستخدم التلفون أو الإيميل. لكن ربما استخدمهما أيضاً، لكن بصورة مشفرة. أمر يبدو طوباوياً، لكنه واقعياً أيضاً، فماذا يعني كل هذا اليوم في عالم يسير باتجاه اللامعقول.
أيضاً أنه أمر غير طاوباوي الاقتراح الذي نقدمه هنا. ربما علينا جميعاً في المستقبل ولكي نتجنب تجسس أجهزة المخابرات علينا، عند كتابتنا ما هو خاص بنا في الإيميلات علينا اللجوء إلى تشفيرها، أو ربما علينا التنازل عن استخدام التلفون وكتابة الإيميل. أخوان المسلمين يقولون: الإسلام هو الحل. ونحن نقول: كتابة الرسائل هي الحل! وليعش عبدالحليم حافظ الذي أرسل رسالته من تحت الماء!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram