محلة بغدادية قديمة، توسطت بغداد، ناسها طيبون، بسطاء، من الطبقة العاملة، عرفت بهذا الاسم نسبة إلى الشيخ صدر الدين محمد بن محمد الهروي المدفون فيها والمتوفى سنة 677 للهجرة.
وفيها سوق كبير معروف باسمها( سوق الصدرية) تجد فيه الأسرة البغدادية كل ما تحتاجه من مواد غذائية وفواكه وخضر ولحوم ودجاج، حيث تنتشر محال البقالين مع محال القصابين، والبزازين ،مفرده بزاز، وهو (بائع الأقمشة) على امتداد السوق، الذي يمتد من الدهانة شمالا وحتى علاوي الصدرية جنوبا، انتهاءً بـ(راس الساقية)من باب الشيخ.
واندمجت مع محلة الصدرية محلة سراج الدين، التي تعد جزءاً لا يتجزأ منها، والتي ذكرها الكاتب البريطاني (فلكس جونز) في كتابه (احوال بغداد في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر) "إن محلة سراج الدين كانت تتكون عام 1846 من جامع سراج الدين، وعقد الأباريقي، وعقد صدري، وعقد التكمه جي، وعقد السبيل خانة، وعقد طاق العوينة، وعقد اهل برشت، وعقد الحاج وعقد حبيب وعقد الحياج (الحائكين) .

محلة سراج الدين

جاءت تسمية سراج الدين نسبة إلى المحدث المقرئ الشيخ سراج الدين عمر بن علي بن عمر الحسيني القزويني الشافعي، المتوفى عام 750هـ - 1349 م ، والمدفون في تربة جده بالزرادين بباب الأزج (وهذه تسمية الصدرية قديما). فأقيم على قبره مسجد عرف بجامع سراج الدين . واليه نسبت المحلة التي حوله .. ويشير بعض المحدثين إلى انه دفن في صدرية بغداد . وهي محلة الصدرية نفسها . ثم اشتهر أمر قبره حتى عرف قسم من محلة الصدرية بسراج الدين نسبة إليه .

أما في أوائل القرن العشرين فإن الصدرية كانت تتكون من سوق الصدرية ومحلة سراج الدين و(دربونة) الكبي والآتون والسوق الجديد والعزة والجنابيين وبستان شاهين والدوكجية (عقد الأكراد) والعوينة. والكَبي وهي (دربونة) صغيرة تبدأ من شارع الوثبة موازية لبداية سوق الصدرية حتى فضوة الصدرية وكانت فيها قبة سميت على اسمها في الماضي وأصبحت الآن محلة صغيرة فيها مدرسة ابتدائية في الطرف الشمال الشرقي من جامع سراج الدين.

في الوقت الحاضر محلة الصدرية جزء من حي الجمهورية ضمن محلة 111 ولها أزقة مرقمة كثيرة، ولم يبق من مسمياتها القديمة الا الكبي والآتون والعوينة التي تتوسطها ساحة كبيرة لوقوف السيارات تابعة لأمانة بغداد التي شيدت فيها في بداية الثمانينات من القرن المنصرم، مقتطعة أجزاء من رأس الساقية والعوينة لتشمخ ثلاث بنايات ضخمة، وسط أزقة بغداد العتيقة، وهي بنايات أمانة بغداد والهيئة العامة للضرائب وإسالة الماء ، وبالرغم من ذلك هي تعاني من وطئة المياه الآسنة، والأزبال المنتشرة في كل ركن من اركانها، وأصبحت كأنها مكبات للقمامة والنفايات، وكلها أزمات من البنى التحتية، التي تحتاج الى التفاتة حقيقية من قبل جارتها أمانة العاصمة...

جامع سراج الدين 

وهو من ابرز معالم محلة الصدرية ، وكانت فيه مدرسة تدرس فيها العلوم العقلية والنقلية ولهذا الجامع رواق رائع البناء وأمام ذلك الرواق ساحة صغيرة تضم ضريح الشيخ سراج الدين 

وكانت أول عمارة معروفة له جرت عام 1719م بأمر والي بغداد الوزير حسن باشا . وقد أنشئ عنده سقاية يصل إليها الماء عن طريق قناة عالية مبنية على العقود يرفع إليها الماء من كرد ( دولاب ) يصب عند شاطئ دجلة في شريعة السيد سلطان علي، وأنشئت التسابيل عليه ومنها اشتق اسم مدرسة التسابيل الابتدائية التي كانت مشيدة في طرف سوق الصدرية من جهة الدهانة في سبعينات وثمانينات القرن الماضي والتي تسمى بالغافقية أيضا، أغلقت بعد افتتاح المدرسة الابتدائية في (عقد الكبي )، ومازال الجامع عامراَ وأعيد بناؤه على هيئة جديدةٍ في سبعينات القرن الماضي والسنوات اللاحقة . 

اللحوم العراقية تهرب إلى الخارج 

يقول القصاب أبو وضاح نصر الرديني ان القصابين قديما، كانوا يحملون أخلاقا بغدادية أصيلة، وهم معروفون في السوق منذ عهود موغلة في القدم، وأنا اذكر القصابين في العهد الملكي في العراق، مثل صادق حمودي الرديني، وأبو سعد صاحب مطعم الساعي، وأولاد جوهر وأولاد الحاج صادق كل من مجيد وجعفر وأمين وحميد، حيث كانت اللحوم العراقية متوافرة ورخيصة الثمن، وهي على خلاف الوقت الحاضر غالية الأثمان، والتي دعت المواطن البغدادي إلى أن يشتري اللحوم المستوردة، من مناشئ عالمية، مثل الهند وغيرها من الدول، لكن اللحم الفرنسي أفضلها نوعية، ذلك لأن اللحوم العراقية تهرب إلى دول الجوار بدون حسيب أو رقيب. 

كانت مهنة القصابة مزدهرة في مدة الخمسينات من القرن الماضي، وأذكر من القصابين في هذه المدة كل من حميد دخو، والحاج مجيد صاحب الموكب الذي صعق بالكهرباء ومات، والحاج نصيف جاسم الرديني، وأحمد وكاظم وجاسم أولاد مرعي، وكانوا هؤلاء يمثلون سوق الصدرية في مهنة القصابة، ويحملون من الأخلاق البغدادية الأصيلة الشيء الكثير، بمساعدتهم للفقراء، وإعانة المحتاج وغيرها من قيم عالية.

وأضاف أبو وضاح كانت لوالدي مقهى شعبية تعد الأكبر في منطقة الصدرية، باعها والدي إلى الحاج إبراهيم الجميلي الذي حولها بدوره إلى محال تجارية ومخازن، لأنه رأى بعض روادها يلعبون القمار في مقهاه، فأين تجد مثل هذه الأخلاق في الوقت الحاضر. 

العوينة وصباح نوري السعيد

كان في العوينة سوق كبير لبيع المواشي من البقر والجاموس (جوبة)، وكانت فيها أربع خانات كبيرة، اثنان منها تعود إلى حميد عبادة، وآخر إلى ياس خضير، والرابع يعود إلى مجيد دخو، وكانت بيوت تحيطها تمتد إلى جامع الخلاني، وكان السوق كبيرا عامرا مسقفا بالجمالي، حتى دخل اليه في يوم من الأيام صباح بن نوري السعيد رئيس الوزراء العراقي في العهد الملكي، فقام الصبية برميه بقشور الرقي والطماطة، فتوعد وهدد وشتم أهل السوق، وحقا بعد عشرة أيام قامت قوات حكومية بتهديم السوق والدور المحيطة به، ما اضطر أهلها ليسكنوا في صرائف بقرب المكان يدعى بستان واوي، وكانت حالتهم يرثى لها، وبمرور الزمن تحول المكان إلى ساحات للعب كرة القدم الشعبية، وكان المسؤول عن العاب كرة القدم بين الفرق الشعبية، ياسين عبد الواحد الجميلي، وكان الناس قبلا يمارسون هواية سباق الخيل، ويحبونها في خمسينات وستينات القرن الماضي، وقد أصبحت الآن مكانا لبنايتي أمانة بغداد وإسالة الماء.

شقاوات المنطقة 

مهمتهم الحفاظ على أهل المنطقة ونصرة الضعفاء، وعدم السماح للغرباء بالدخول إليها إلا بعد التأكد منهم ومن غايتهم، وكانت أخلاقهم عالية رفيعة وجيدة جدا مع أهالي المنطقة، ومنهم خليل أبو الهوب الذي قتل في الباب الشرقي غيلة، ومحي مرهون الذي توفى في منطقة الفضل بعد أن قتلوا أولاده، ومجيد قنبلة، وألمان قتله صديقه، أما أخوه عمران فقد توفى بعده بسنين، وإبراهيم عبدكه رجل خير يدعي بالشقاوة وقد توفى على فراشه ،وسعيد وحميد بنجة في القشل، وعلي اسكندر وجواد تورات، وغيرهم كثير وكانوا لا يلتقون بمكان محدد مخصص لهم، كانوا ناسا بسطاء يقعدون في المقاهي مثل الناس عامة، ولكنهم لا يقبلون بدخول الغريب إلى مناطقهم خوفا من أن يسيئ إلى احد أهلها بقول أو فعل. 

شخصيات من محلة الصدرية 

عباس جميل مطرب وملحن ولد في محلة سراج الدين بمنطقة الصدرية وسط بغداد عام 1921 .

راسم الجميلي ممثل ومخرج عراقي, ولد في محلة سراج الدين بمحلة الصدرية في بغداد عام 1938.

إبراهيم بن عبد الغني بن محمد الدروبي البغدادي، ولد في بغداد في محلة الصدرية عام 1894م.

الاستاذ محمود فهمي درويش : من البيت المعروف بآل عبد العزيز ولد في محلة الصدرية سنة 1905م .

الدكتور خالد الجادر : ولد في محلة الصدرية عام 1924 م. 

ـ الحاج مومن المجبرجي: هو الحاج مومن ابن الحاج محمد ابن رشيد ، اشهر مجبرجي في محلة الصدرية ، توارث هذه المهنة من ابيه وتوارثها اولاده عنه وهو من الكرد الفيليين واحمد ابنه يعمل مكانه في الوقت الحاضر.

عباس جميل المطرب ولد

قرب الكبي

وتقول أم كمال بنت علي ميرزا وهي من سكان المنطقة القدامى إن جدها سكن المنطقة في العهد العثماني، وكان بقالا يبيع الخضر في سوق الصدرية، وكانوا يسكنون الكوت ثم انتقلوا في أوائل القرن الماضي إلى المنطقة، وتذكر جيرانها الطيبين، في تلك المدة ومنهم بيت علوان البقال المختص ببيع الرقي في سوق الصدرية، وأخوه يحيى المختص ببيع القيمر والحليب صباحا في السوق، الذي يأخذ منتجاته من المعدان يسكنون (دربونة) العزة وتقع خلف بيت أهلي، اندثرت الآن وأصبحت مكانها بناية ضريبة الدخل، وكان هناك محل لأبي راسم الجميلي، الذي كان يمتهن العطارة والروحانيات في منطقتنا في السوق، وأذكر ساعي البريد خضير الذي يقوم بإيصال الرسائل إلى الناس وهو من بيت حمام سلاطة، وبيت قادر آغا الذين مازالوا يسكنون قرب جامع سراج الدين، والعوينة كانت تمتد على طول الشارع وكان فيها سوق حبوب وفيها مخابز يباع في السوق الخضرة والخبز(ابو العانه) كنت صغيرة عندما كنت اشتريه، اما شارع الكفاح كان اسمه شارع الملك غازي، وفي عهد عبد الكريم قاسم صار اسمه الكفاح، وكان (عكد) الكبي و(عكد) الاكراد منطقة واحدة تابعة للصدرية قبل ان يقسمها الشارع إلى منطقتين، وفي الكبي ( (دربونة) السلال ) او الجميلات، موازية لسوق الصدرية مفتوحة إلى الشارع ولكن الناس بنوا فيها ما أغلقها وفيها مدرسة القدس او الكرد الفيلية، وكانت (دربونة) الخس و(دربونة) المعدان محاطتين بسراج الدين.

وتقول أم كمال إن عباس جميل المطرب والملحن العراقي المعروف ولد في (دربونة) البلام قرب الكبي 

وتذكر إن ثلاث ملايات مشهورات في الصدرية وهن (الملاية حسينية في سراج الدين والملاية بطة والملاية زهرة ).

كان أغلب سكان المنطقة 

من المسيحيين 

الحاج حسن حياوي الزبيدي من سكنة المنطقة وهو احد مخاتيرها السابقين، يسكن محلة سراج الدين منذ عام 1938 م يقول : كان أغلب سكان المنطقة من الطائفة المسيحية، وأكثرهم انتقلوا إلى منطقة المربعة ومناطق أخرى، وسكن مكانهم الأكراد، ومن ثم سكن المنطقة هذه الأسر وتغير سكان المنطقة من جيل إلى جيل، ولكننا بقينا ولم ننتقل لمكان آخر، لم يبق غير بيت أبو حاتم كريم أصلان المتزوج من بنت علي ميرزا رحمه الله، ومازالوا باقين حتى الآن ولم يبق من السكان القدامى لمحلة سراج الدين أحد غيرنا.

لاعبون كبار لعبوا في ساحات العوينة

يقول مختار محلة 111 ستار جابر إن :العوينة قبل أن تسمى بهذا الاسم كان أسمها الريان، وبعدها سميت بالعوينة لوجود عيون الماء فيها، وكانت المنطقة في الماضي القديم امتدادا لقصر الخلافة العباسية يسكنها الحاشية، وأصبحت في الماضي القريب ساحات للعب الفرق الشعبية لكرة القدم وقد لعب فيها كبار اللاعبين من مثل فلاح حسن ورعد حمودي وعلي حسين وقاسم أبو حمرة.

تشمل المحلة 111 العوينة ومنطقة الصدرية ورأس الساقية والبستان وصبابيغ الآل الكبي والآتون.

مشكلة بدون حل

ويضيف المختار ستار لدينا مشكلة واحدة في منطقتنا وأتمنى من المسؤولين النظر فيها كون أغلب سكان المنطقة من (الكسبة) والطبقة العاملة، وهذه المنطقة هي الوحيدة من بين المناطق المجاورة تابعة لعقارات الدولة، فمنطقة المربعة و(عكد الأكراد) والقشل، كل هذه المناطق ملكت لأهلها من قبل الدولة إلا منطقتنا ليست كذلك، نتمنى من الحكومة ان تملك البيوت لسكانها أو تبيعها لهم، وأتمنى أن يجدوا لها صورة حل، كون سكانها من الكسبة الفقراء، وقد أرهقتهم الإيجارات التي ارتفعت بصورة فجائية وهي بتزايد مضطرد، فالناس يجدون صعوبة في لقمة العيش وكسب قوتهم اليومي، غير رسوم الكهرباء والمولدات، رفعنا مشكلتنا هذه لكل الجهات من برلمان ورئاسة وزراء و وزارة المالية وللوقفين الشيعي والسني، ولم يجد احد حلا لمشكلتنا، نرفع صوتنا من خلال جريدتكم المدى الغراء، عسى أن ينظر لها احد الأخيار في الحكومة ويساعد هذه الشريحة من المجتمع التي تسكن هذه المحلة ويجد حلا لها.