TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عساف وتحرير القدس

عساف وتحرير القدس

نشر في: 25 يونيو, 2013: 10:01 م

كان متوقعاً انتهاز المتأسلمين فرصة فوز الفنان الفلسطيني محمد عساف بلقب محبوب العرب، في برنامج تلفزيوني يحظى بعدد هائل من المشاهدين، لشنّ حملة سوداء ضدّ الشعب الفلسطيني، وضدّ فكرة انحياز هذا الشعب للحياة والفرح، وكأنه مكتوب عليه التقوقع في مغاور الظلمة، والتوقف عن الإبداع والانخراط في تفاصيل الحياة، وليس بعيداً أن هؤلاء يحقدون على محمود درويش ومعين بسيسو وإميل حبيبي وغيرهم، لأنهم اختاروا طرقاً نضالية اتسمت بالإبداع، ووضعت الثقافة الفلسطينية على خارطة الإبداع العالمي، وخدمت قضية الشعب الفلسطيني، أكثر بآلاف المرات من خطب الجمعة، التي احترفها مجموعة من الموتورين، عشاق الظلام.
المؤسف أكثر أن بعض الساسة لم يلاحظوا في فوز عساف، غير جزئية أنه لم يتقدم بالشكر للرئيس الفلسطيني، الذي قدّم له كل الدعم والمساندة المعنوية، وليس هناك شك في أن ذلك أسهم، بالإضافة لأصالة الفن الذي قدّمه الشاب الفلسطيني، في وصوله إلى المرحلة التي وصلها، وبديهي أن الرئيس لم يتسمّر أمام الشاشة حتّى منتصف الليل، بانتظار شكره من الفنان الفائز.
نسأل المعترضين على فرح الشعب الفلسطيني بفوز عساف، عمّا قدموه هم لفلسطين، وهل كانت أصواتهم المبحوحة صادرة عن خنادق النضال، الذي يقودونه ضد الاحتلال، ونعرف كما يعرفون، أنهم تابعوا البرنامج التلفزيوني، بنفس اللهفة التي تابعه فيها ملايين العرب، ونعرف أيضاً أن قياداتهم تواصل بسريّة التفاوض مع المحتلين، للحصول على مكاسب رخيصة تنفي مبرر وجودهم، أمّا تطاولهم على الشعب الفلسطيني، ووصف فرحته بالفجور، فليس أكثر من ترويج لظلاميتهم، التي ترى في النور ما يحرقها، وترى في الفرح واعتناق الحياة، ما لا يتناسب مع انغلاقهم على غيبيات، لا علاقة للدين بها، وهؤلاء مدعوون للخجل من هذا التفكير الضيق، والنظر إلى الحياة بما تستحقه من أمل وتفاؤل.
يسأل البعض بخبث بغيض، إن كانت فرحة الفلسطينيين بفوز عساف، تتناسب وواقع حال هذا الشعب، الواقع تحت الاحتلال والتهجير والمنافي، وكأن على هؤلاء البشر الانكفاء والتقوقع على أحزانهم، وتأجيل أي فرح إلى ما بعد تحرير القدس، التي تنتظر جحافل المتأسلمين منذ أكثر من أربعة عقود، انشغل فيها هؤلاء بالبحث المضني عن مبطلات الوضوء، وشكل حجاب المرأة، وطول شعر الرجل، وإلى أي طول يجب أن تبلغ لحيته، وتركوا دون أدنى شعور بالذنب معاني الآية الكريمة " وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل "، وكأن على الفلسطينيين احتراف الحزن، والامتناع عن الاحتفال بأي إنجاز " يرتكبه " فلسطيني، تفلّت من فتاوى الظلمة بشجاعة يستحق عليها التهنئة.
من حق الشعب الفلسطيني ممارسة الحياة والفرح، دون استئذان من نصّبوا أنفسهم دعاة ومفتين، أمّا  تهم الفجور ضد شعب بأكمله، فإنها تستحق الوقوف عندها ومحاسبة مطلقيها، وهم يتجاهلون بخبث متعمد، كل نضالات الفلسطينيين المستمرّة منذ أكثر من ستة عقود، ويتناسون قوافل الشهداء العصيّة على العد، ويعفون أنفسهم من واجب النضال، رغم دعواتهم بأن فلسطين أرض وقف إسلامي، ولكن يبدو أن لا مكاسب منتظرة من النضال لأجل حريتها وتحريرها، ما يعني ترك هذا العبء على عاتق الفلسطينيين، الممنوعين من الفرح والحياة والمنذورين للموت ولا شيء سواه.
لم ننتظر من عساف تحرير القدس، وفوزه وسام إبداعي يستحقه، ويستحق فرح شعبه بهذا الإنجاز، ولو كره المتأسلمون.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram