كل شيء متّصل بكل شيء. أي شيء له دور في حدوث أي شيء في المستقبل. وكل شيء في حياتنا الآن مرتبط بأشياء حدثت في الماضي. كلام جميل جداً لكنه معقد، ويستحسن إذا حاولت إخراجه على الشاشة أن تنسى الموضوع ما لم تكن لديك القدرة على أن تبهرني فعلاً! وقد است
كل شيء متّصل بكل شيء. أي شيء له دور في حدوث أي شيء في المستقبل. وكل شيء في حياتنا الآن مرتبط بأشياء حدثت في الماضي. كلام جميل جداً لكنه معقد، ويستحسن إذا حاولت إخراجه على الشاشة أن تنسى الموضوع ما لم تكن لديك القدرة على أن تبهرني فعلاً! وقد استطاعت لانا وأخوها آندي فعل ذلك ببراعة في فيلمها الجديد. تستطيع الاطمئنان عموماً إذا رأيت اسمهما معاً في تترأي فيلم (كتبا وأخرجا من قبل القتلة لستالوني وجوليان مور وبانديراس، وماتريكس لكيانو ريفز وفيشربورن وآن كيت موس) وكتبا من قبل سيناريو بعنوان (كارنيفور) صنفته مجلة إمباير البريكانية على أنه واحد من أفضل السيناريوهات في هوليوود على الإطلاق، ومن المؤسف أنه لم يتم إنتاجه حتى الآن بالرغم من أنه مكتوب في 2003! لانا عجيبة الطباع بشعرها الأحمر القاني وتصرفاتها المشاكسة لكنها مثقفة جدا وموهوبة بالفطرة، ولن تصدق أنها كتبت وشاركت في كتابة ثمانية عشر سيناريو من أشهر وأمتع سيناريوهات السينما الأمريكية! كما أنتجت وصممت وأخرجت العديد من ألعاب الفيديو المعروفة! وهي وشقيقها آندي مع توم تيكوير أخرجوا فيلم أطلس السحاب. تيكوير أخرج (العطر: قصة قاتل) عن رواية باتريك زو سكيند المعروفة عام 2006، كما أخرج العالمي (2009)، باريس مع حبي 2006، اركضي يا لولا، اركضي 1998، وله فيلم قصير جميل اسمه 60 ثانية من العزلة في العام صفر، عام 2011، الجنة 2001، الأميرة والمحارب 2000، نيام في الشتاء 1997، لأن (قصير)1990، ظهيرة الجمعة 1986. كما أنتج وصمم ملابس ولحّن موسيقى أفلام أخرى مما يجعلك تعرف أن مخرجي هذا الفيلم لديهم شحنة جاهزة للكثير!
الفيلم مأخوذ عن رواية ديفيد ميتشل بنفس الاسم، والمؤلف رُشح لجائزة البوكر، والرواية تربعت على قمته الأفضل مبيعاً لفترة لابأس بها. الرواية نفسها مدهشة، ولم تترجم للعربية حتى الآن، وأنصح بقراءتها بلغتها فوراً قبل أن يمارس أحد المترجمين الذين يقبضون روايتهم بالقطعة هوايته في قتل كل جمال وعمق للعمل خصوصاً مع القوانين الجديدة التي احتكرت حقوق النشر والترجمة وصار لزاماً علينا أن نقرأ أي شيء يترجمه أي شخص لمجرد أنه استطاع أن يسبقنا لصاحب الكتاب الأصلي.
المهم الفيلم الآن. في الفيلم تتشابك الخطوط والخيوط كتخطيط فني جميل لميدان معركة لونية حافلة. سوف تلاحظ أنه كالرواية يتجاوز كل مشاكل الفروق في اللغة واللهجات، وستجد أمراً عجيباً هو أن شخصيات الفيلم، حسب طبيعة الموضوع، كل واحد منهم يؤدي عدة شخصيات: توم هانكس (مدير الفندق/ ايزاك ساكس/ ديرموت هوجنز/ ممثل يشبه كافنديش / ذاكري ) _ هالي بيري (امرأة من ابناء بلدة نائية/ جوكاستا أيرس/ لويزا راي/ ضيفة الحفل الهندي/ أوفية / ميرونيم) - جيم برودبنت (كابتن مولينكس/ فيفيان آيرس/ تيموثي كافنديش/ موسيقي كوري) _ دونابي (تيلدا/ أم ميجان/ امرأة مكسيكسة/ سونمي 451/ عاهرة سونمي) _ زون زو (تالبوت/ مديرة الفندق/ يونا939/ روز) _ هيوجرانت (جيلس هوروكس/ لويدهوكس/ دنهولم كافنديش/ سير ري/ رئيس كونا) وممثلين آخرين منهم برودي لينكولاس لي، اندرو هافيل، روبين موريسي، سوزان ساراندون (مدام هوروكس، أورسولا الكبيرة/ يوسف سليمان !! (أبيس) _ هناك قائمة طويلة جداً من الممثلين. إذن فكيف قام كل هؤلاء ببطولة فيلم واحد؟! نعم، في ملحمة فلسفية مدهشة تكشف كيف أن الأفعال في حياة الأفراد الخاصة تؤثر في حياة غيرهم في الماضي والحاضر والمستقبل حيث تتشكل روح واحدة من قاتل إلى بطل ومن قلائل بسيطة تتحول عبر القرون إلى ثورة كبرى! فكل شيء متصل.
دفتر ذكريات من عام 1849، لرحلة عبر المحيط الهادي، خطابات من ملحن موسيقى لصديقه، قصة مثيرة عن جريمة قتل في مفاعل نووي، كوميديا عن ناشر في دار مسنين، ثورة المستنسخين في كوريا المستقبل، وأخيراً حدوتة عن حياة عجيبة بعد نهاية العالم في هاواي، في مستقبل بعيد جداً. يتابع هذا الفيلم قصة حياة ست شخصيات عبر الزمن وكل قصه تحكى خلال الآخرين، قصة داخل قصة، كالدمى الروسية. ونرى كيف أن حياة هؤلاء الأشخاص تتصل وتؤثر في بعضها البعض. خط القصة الأول يتتبع المحام آدام _ إيونج (جيم ستورجس) في عام 1800 والذي يموت ببطء في رحلة بحرية عبر المحيط الهادي متجهة إلى كاليفورنيا، يقوم بإنقاذ رجل من الموريوري (أهل نيوزيلاندا الأصليين) اسمه أوتوا (ديفيد جياسي) في طريقه، لكنه يدرك أنه تسمّم على يد د. هنري جوز (توم هانكس). أنقذ أوتو حياته فتغيرت نظرته إلى هؤلاء القوم.
خط القصة الثاني يتتبع قصة ملحن من الثلاثينات اسمه (روبرت فروبيشر) يلعب دوره (بت ويشاو) الذي يساعد الملحن الطاعن في السن فيفان آيرس (جليم برودبنت) على إنجاز أعماله الموسيقية. يدخل روبرت في علاقة جسدية مع زوجة آيرس ويسقط في قصة غرامية مع ابنته مما يمزقه علاقته بآيرس. وبينما يقوم بلحنه الأخير، سيمفونية أطلس السحاب، يفر مبتعداً ثم يدرك أن الفتاة التي أحبها لا تحبه بالمثل كما كان يظن. ينتهي من مقطوعته الموسيقية ويرسلها إلى صديقه روفوس سكس سميث (جيمس داكري) وينتحر!
خط القصة الثالث عن صحفية في أوائل التسعينات اسمها لويزا (تلعب دورها هالي بيري). تقابل روفوس سكس سميث، وهو طبيب الآن، وتعرف أن شركة طاقة كبرى تحاول تنشيط مولد نووي غير مستقر. تقوم ببعض التحريات عن الموضوع وتكتشف وجود تقرير عن المفاعل مكتوب بواسطة سكس سميث بإمكانه كشف السر. يلتقيها عالم اسمه ايزاك ساكس (توم هانكس) ويقدم لها العون. يُرسل البرتو جريمالدي (هيو جرانت) رئيس الأمن عنده، جنابير (كيث ديفيد) لإيقاف الصحفية. يُقتل سكس سميث ويحاولون قتل ري وهي تبحث تقرير سكس سميث. يدرك إيزاك ساكس أنه وقع في غرامها وعلى الفور يُقتل، مع جريمالدي، في انفجار طائرة بسبب معاون جريمالدي المدعو (سموك)، والآن سموك وجونابير يقتلان بعضهما البعض وتبدأ لويزا في إغلاق المفاعل بعد التحقيق في تقرير سكسسميث.
خط القصة الرابع عن تيموثي كافنديش (جيم برودبنت) مالك شركة للنشر، يدفعه بعض المجرمين لدفع نصف مليون دولار. وبينما يحاول جمع المال يصبح سجيناً في دار مسنين معتقداً أنه في فندق وكل محاوله منه للخروج تمنعها الممرضة نويكس (هوجو وينج) لكنه في النهاية يتمكن من وضع خطة للهرب ويطلب من اثنين من النزلاء مساعدته وعندما يعود إلى شركته يطلق كتاباً يحقق أعلى المبيعات.
خط القصة الخامس عن سومني 451 (دونا بي)، مُنتج مستنسخ للعمل في مطعم للوجبات السريعة اسمه (أغنية بابا) في المستقبل (واسمه الآن نيا _ سو _ كوبروس). يحدث أن ترتقي، أي يبدأ عقلها في التقدم فتهرب من المطعم لتأخذ بعض الدروس في الجامعة. تدرس العالم وتقابل رجلا اسمه هاي جو إم (جيم ستورجس) وتتجول في المدينة معه وبينما يشاهدان فيلماً في السينما يكشف لها حقيقة أنه ثوري ضد حكومة الطغيان ومسألة العقول الغبية للمستنسخين، من ثم يأخذ سومني 451إلى سفينة يذبحون فيها المستنسخين فتصاب بالذعر عندما ترى رفاقها يُقطعّون كقطع الخردة. وهنا تقبض عليها الحكومة. وبينما هي تنتظر محاكمتها تدرك أن حياتها بالكامل مزيفة واصطناعية وكل واحد، حتى(هاي جو إم)، كلهم كانوا ممثلين يعملون عند الحكومة.
الخط القصصي السادس والأخير عن زاكري (توم هانكس) رجل المقاطعة الذي يعيش في هاواي بعد نهاية العالم، وعندما تطلب ميرونيم (هالي بيري) العيش معهم في نفس القبيلة يأخذها معه وتطور علاقتهما. وعندما يتسلق زاكري أحد الجبال يحرضه أحدهم على قتل ميرونيم لكنه يرفض بالطبع ويعرف بوجود قطائع للسيطرة على المكان فيقرر الهرب من الجزيرة الكبيرة مع ميرونيم التي تكشف له عن وجود طاعون يهدد لتدمير الحضارة للأبد، لكنه_ مع ميرونيم _ يقاومان ويصارعان للبقاء ويعيشا معاً لوقت طويل. طبعاً هذه القصص لم تُحك بهذا الترتيب، لكني أكتبها هكذا لتعرف رأسك من قدمك، بل تتداخل ببراعة وتشتبك أنصاف الحكايات فتتولد أنماط سردية جيدة على الشاشة بلغة تكشفها السينما ،ربما لأول مرة بهذا الإتقان! الفيلم مدته 172 دقيقة وتكلّف مئة مليون دولار أمريكي / إنتاج مشترك بين عدة شركات انتاج منها شركة باسم (اطلس السحاب للإنتاج)!! وتم تصوير المشاهد في مالوركا واسبانيا وغيرهما، وهو من الأفلام القليلة جداً في تاريخ السينما التي يخرجها ثلاثة مخرجين يعملون معاً بمشاركة متساوية. والفيلم عبارة عن التحام بين عدة أنواع فنية: دراما _ مغامرة _ خيال علمي _ كوميديا _ تراجيديا رومانسية. وموضوع صيد حشد كبير من الجمهور شائكة جداً فإما تنجح ببراعة أو تكون النتائج كارثية، وهذا الفيلم أشبه بقطار افعواني عملاق جداً ينطلق بسرعة جنونية. الإبهار البصري بلغ درجات مدهشة فعلاً، كما في ماتريكس حيث تتراجع الفكرة الفلسفية وتحتل المتعة البصرية المشهد وهي أرقى وأكثر إبهاراً من الصورة ثلاثية البعاد في آفاتار بكثير، ربما لارتباطها الحميم بالعنصر البشري هنا. على أن هذا الفيلم ليس للجميع، ليس فقط بسبب مشاهدة العنف والتعرية التامة والجنس، ولكن بسبب طوله وتعقيد أحداثه، لكنه سيروق لهواة الأعمال الملحمية العملاقة بشدة، بالرغم من أن التدقيق حتمي، لاحظ أن العشر دقائق الأولى وحدها في الفيلم ستصيبك بحيرة شديدة، ولكن التشويق والمتعة والإثارة، مكونات مضمونة جداً.
شكراً لأصحاب الفيلم !