اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > مبنى ديوان الاوقاف: بهجة التأويل الحداثي

مبنى ديوان الاوقاف: بهجة التأويل الحداثي

نشر في: 28 يونيو, 2013: 10:01 م

قد لا يكون مبنى "ديوان الاوقاف" (1964) <المعمار: هشام منير ومشاركوه>، الواقع في منطقة الباب المعظم ببغداد، المبنى الوحيد الذي يعكس "تقاليد" المكتب/ المصمم، أو يتبنى تمثيل نموذجه الحداثي الاوحد. فثمة مبانً عديدة، آخرى، مصممة من قبل المكتب اياه،

قد لا يكون مبنى "ديوان الاوقاف" (1964) <المعمار: هشام منير ومشاركوه>، الواقع في منطقة الباب المعظم ببغداد، المبنى الوحيد الذي يعكس "تقاليد" المكتب/ المصمم، أو يتبنى تمثيل نموذجه الحداثي الاوحد. فثمة مبانً عديدة، آخرى، مصممة من قبل المكتب اياه، يمكن لها ان تنهض عن جدارة بهذا الدور المزدوج المعني. لكني اقف عند عمارة هذا المبنى، وأدفع به ليكون "عنواناً" للمكتب المصمم، ومثالاً لمقاربته الحداثية. فهو بموقعه المميز ومقاسه الملائم، ونوعية عمارته النضرة، وتفاصيله المتقنه، بالاضافة الى لونه "التركوازي" المحبب،وتوقيت ظهوره، كلها امور، تجعل منه ليكون، احد أهم نماذج المنتج العماري في المشهد المعماري المحلي.

وعن هذا المبنى تحديدا، سبق وان كتبت عنه قبل حوالي السنتين، مايلي "..ثمة لغة جديدة، بدت شديدة النضارة، اتسمت بها عمارة المبنى المطل على شارعيين متعامدين. فواجهاته التى نأت بعيدا عن مألوف المعالجات"السطحية"Plane ، بدت وكأنها تكتسب صفة "الكتلة" النحتية، ثلاثية الابعاد، جراء التدرج المتباين لمواقع "جدران" كل طابق فيه. وهي حالة منحت المصمم امكانية معالجة طوابق المبنى بصيغ مختلفة، منتجة لنا "فورمات" واجهاتية، يستحضر بها "اميج" خيرة التقاليد البنائية الموروثة. يولي المصمم أهمية كبرى لعامل الظل والضوء، ويرفع عالياً من شأن تبعاته. فهو لديه بمثابة الوسيلة الاهم، لابداع جماليات واجهاته، التى بها يسعى وراء تأكيد جديده وترسيخ حداثته.. ونضارته ايضاً."

يغوي مبنى ديوان الاوقاف المرء الى قراءة عمارته قراءة تفكيكية، لجهة تقصي ما تخفيه تلك العمارة، وما لم تظهره بصورة مباشرة. لكن علينا، ابتداء، وتوطئة لذلك، ان نتبنى مقترح الفصل الرمزي بين "نص" العمارة كموضوع Object ، وما يوحي هذا النص من "تناص" Intertextuality ، يشير الى علاقة المبنى بالآخر. وهي علاقة جد ممتعة لناحية رصد عملية "التثاقف" Acculturation ، وفي ذات الوقت، تعقب الافكار والرؤى الخاصة بالآخر، وتأثيرها على "الموضوع" المنظور.وفي هذا الصدد، ينصحنا "بيتر ايزنمان" P. Eisenman، (معمار مابعد الحداثة المشهور)، ان لا نكون سريعي الثقة بقدرة الحضور على كبت "الاثر" Trace وقمعه (بمعناه التفكيكي)، وانما يتعين ان ندرك الاخير، بكونه حضورا للغياب. وهو امر يجعلنا نتساءل عن مرجعيات معمار ديوان الاوقاف، المؤسسة لقرارته التصميمية.يحيلنا مثل هذا التساؤل الى الاستعانة باستراتيجيات "التناص" ومقدرتها على تفكيك "النص" المعماري، والتغلغل في اعماقه، ومن ثم اعاده تركيبه، بحثاً عن المفاتيح الاجرائية الخاصة بالتأثر والتأثير، والتفاعل والتضمين والحوار والتعالقات التصميمية التى تتم على المستويين الدلالي والشكلي، التى يوفرها "التثاقف"، كاحد مضامين التناص. وبما ان الاخير يفسر النص بكونه <تشرب او إحالة لنصوص اخرى>، كما تقول "يوليا كريستيفا"، الناقدة الفرنسية ، الناحته لمصطلح "التناص"، وهو ايضا، لديها، بكونه < لوحة تتشكل من تركيبة فسيفسائية من الاستشهادات>، فانه في هذه الحالة يعمل وكأنه حاضنة فكرية، يستقي المصمم منها افكاره التصميمية.
عندما شرع معمار "ديوان الاوقاف" في عمله التصميمي، كانت رائعة "خوسيه لويس سيرت" Jose Luis Sert المعمارية، وهي مبنى السفارة الامريكية ببغداد (1955)، قد اكتمل بناؤها وبانت عمارتها بكل "حضورها" الجليل، محدثة تأثيرا عميقا في المشهد المعماري المحلي والاقليمي، لجهة ما تحمله من دلالات تصميمية جديدة، وما تضمنته من قرارات تكوينية "تتناص" مع الموروث التقليدي المحلي وتتعالق معه.وبالطبع، لم تكن عمارة مبنى السفارة غائبة او بعيدة كثيرا عن انظار مصمم ديوان الاوقاف، وهو مايفسر حضور "اثر" اجواء القرارات التصميمية لمبنى السفارة في صياغة المعالجات التكوينية لمبناه. فالعمل ضمن مبادئ عمارة الحداثة، والتفرد باصطفاء مقاربة تأويل الموروث البنائي المحلي، واسلوب نحتية الواجهات، والرفع من شأن فعالية الضوء والظل تكوينياً، واستخدام ذات الخزف الملون، كلها امور تجعل من الرائعة "السيرتويه" البغدادية مرجعا محتملا لعملية التناص، التى اجراها مصمم الاوقاف؛ مبدعاً لنا، في النتيجة، واحداً من اجمل نماذج عمارة الستينات بالعراق.
وبالطبع، فأن عمارة مبنى ديوان الاوقاف، بلغتها التصميمية المميزة واسلوب مقاربتها التكوينية،مافتئ ينظر اليها، بكونها احد تمثلات مكتب هشام منير المعبرة عن خصوصية معالم المكتب الاستشاري المعروف، تلك المعالم التى انطوت، اولاً، على إصطفاء اساليب جديدة تنظم إجراءات العمل المكتبي،المعنى اساساً في انجاز المنتج المعماري. كما تمظهرت، ثانياً، في خيار العمل وفق تحديدات وضوابط وضعها مؤسسو المكتب، لنوعية ذلك المنتج، الذي يتعين ان يكون ضمن معايير مهنية عالية وشديدة الصرامة، تطمح لان تكون مواصفاتها متوافقة مع المعايير العالمية. ويظل، ثالثاً، المـَعلم البارز لتلك العمارة، متمثلا في تقدم الرؤية الوظيفية، (الوظيفية المشوبة بالعقلانية) على الرؤى الاخرى، والذهاب بجرأة نادرة، باتجاه اجتراح بلاغة تصميمية واضحة، تعكس متطلبات تلك الرؤية بفورمات تصميمة ليست فقط مقنعة، وانما تنطوي على قيمة جمالية عالية. وهو، تماماً، ما عكسته، ولابأس من التكرار، عمارة مبنى ديوان الاوقاف.
ولد هشام منير في بغداد عام 1930، وبعد ان انهى تعليمه في الجامعة الامريكية في بيروت، درس العمارة في جامعة تكساس في "اوستن"، تكساس، وتخرج منها عام 1953، ونال الماجستير من جامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجلوس ، كاليفورنيا سنة 1956، اسس مع آخرين مكتب "هشام منير ومشاركوه" سنة 1959. صمم الكثير من المباني المهمة في العراق ودول الخليج، وحاز ت مشاريع المكتب على المراتب الاولى في مسابقات معمارية، مثل مستشفي في الموصل، مقر نقابة المهندسين في بغداد، غرفة تجارة بغداد، كلية الزراعة في جامعة السليمانية، وزارة العدل، مبنى امانة العاصمة ببغداد، وزارة النفط، مبنى بلدية البصرة، المقر العام للشركة الافريقية العراقية، بغداد، وزارة التجارة، المجمع الزراعي، وغيرها من المشاريع المهمة. احد مؤسسي قسم العمارة في كلية الهندسة / جامعة بغداد سنة 1959، واستاذا في القسم منذ تاسيسه ورئيس القسم مابين 1968-72. مشارك مع مكاتب استشارية عالمية. مقيم، الان، في الولايات المتحدة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. د. ابراهيم جواد كاظم

    سلامي الى اسناذي الفاضل د. خالد السلطاني تمتعت كثيرا بكتاباتك وحاولت ان احاورك في كتابات ويبدو الفرصة الان رغم قصرها الا انني كتبت معلومات انت لك فيها راي ، وما ياتي هو حوار في معلومة نطلب من الله السداد الى ما حملنا قلمنا في الكتابةًاليك ان صح التعبير م

يحدث الآن

واشنطن تحذر بغداد من التحول الى "ممر" بين ايران ولبنان

تقرير أمريكي: داعش ما زال موجوداً لكنه ضعيف

انتخابات برلمان الاقليم..حل للازمات ام فصل جديد من فصولها؟

صورة اليوم

المباشرة بتطبيق الزيادة في رواتب العمال المتقاعدين

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

باليت 42 بدايات عام جديد

السُّخرية السريالية ودلالة الأيقون في أعمال الفنان مؤيد محسن

المصرف الزراعي في السنك: بزوغ الحداثة المعمارية العراقية

عمارة تلد مسابقة!

دار هديب الحاج حمود.. السكن رمزاً للانتماء

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram