اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > ساحة الميدان تتحول الى مكان مهجور بعد أن كانت تعج بالحركة

ساحة الميدان تتحول الى مكان مهجور بعد أن كانت تعج بالحركة

نشر في: 28 يونيو, 2013: 10:01 م

هل يبدو العنوان غريبا ً لقاريء يعرف ان العراق بلد لم يشهد تأريخه كوارث كالتي شهدتها دول اخرى، ككوارث تسونامي Tsunami التي تضرب شواطيء جنوب وشرق آسيا بين حين وآخر والتي أدت في ثورانها الاخير الى كارثة من نوع آخر أشد وطأة منها هي ذاتها حين ضربت شواطئ ا

هل يبدو العنوان غريبا ً لقاريء يعرف ان العراق بلد لم يشهد تأريخه كوارث كالتي شهدتها دول اخرى، ككوارث تسونامي Tsunami التي تضرب شواطيء جنوب وشرق آسيا بين حين وآخر والتي أدت في ثورانها الاخير الى كارثة من نوع آخر أشد وطأة منها هي ذاتها حين ضربت شواطئ اليابان فكانت كارثة فوكوشيما؟ أو كالكوارث التي يسببها أعصار كاترينا التي تزور الولايات المتحدة بأستمرار؟ أو كتلك الكوارث التي تتفتق عنها الزلازل والهزات الارضية التي تتعرض لها دولة مجاورة كإيران؟
في ثنايا الحديث إشارات الى كوارث أخرى تعرضت ومازالت تتعرض لها مدن العراق وبالذات العاصمة بغداد من كانت تدعى في السابق بدار السلام ولم تعد كذلك، ومدن أخرى من مدن بلاد الرافدين اللذين يرفدان العراق بالخوف والجوع والفيضان والجفاف كما يرفداه بالحياة وبالجمال. وكأن كل شيء في هذه الحياة له حدان وله طرفان؛ الحياة والموت.
وعلى العموم يمكن تقسيم الكوارث Disasters الى صنفين Categoriesيتبعهما صنف ثالث، ولكل من هذه الاصناف مميزاته Characters وطرق دراسته والتعامل معه Treatment وأساليب منعه Prevention أو تخفيفه Reduction ومعالجة آثاره التي يخلفها، وللتخطيط الحضري للمدينة دور قد يكون مهما ً وفاعلا ً في كل أو بعض هذه الادوار.
الصنف الاول ويشمل الكوارث الطبيعية Natural Disasters التي لادخل للانسان فيها كالزلازل والهزات الارضية Earthquakes ( هزات بوشهر – أيران 2013 )، والفيضانات Floods ( فيضانات بنغلادش 2008، وجدة 2009، والعراق 2013 )، وكوارث البراكينVolcanoes ( بركان آيسلاند 2010 )، وسقوط النيازك Meteoroids ( روسيا 2013 )، وغيرها.
الصنف الثاني يشمل الكوارث المصطنعة Man-made Disasters التي يتدخل الانسان فيها بشكل جذري تشكل الحروب أبرزها وأكثرها شيوعا ً أذ يتضمن تأريخ البشرية سلسلة طويلة من الحروب والتي لايبدو أنه سيقلع عنها في يوم ما، الى حد جعل المؤرخ الامريكي لويس ممفورد يعتبرها وكأنها وسيلة من وسائل تطور البشرية. كما يشمل هذه الصنف الاخطاء الفادحة التي ترتكب بسبب سوء الاستخدام، ككارثة شرنوبل 1986، وكذلك الاعمال الارهابية التي تطال الحياة المدنية دون تمييز كعملية 11 أيلول 2001.
يشترك هذان الصنفان من الكوارث في بعض الخصائص ويختلفان في أخرى، فقد يكون من الصعب توقع ومعرفة وقت حدوث هذه الكوارث. لعله يمكن التنبؤ بذلك بفترات معينة من خلال دراستهما ومحاولة التعرف على طبيعة عملهما، ولكن أغلب هذه الكوارث الطبيعية والمصطنعة حدثت في أوقات مفاجئة داهمت فيها المدن التي تعرضت لها بما فيها تلك المدن التي حاولت وتحاول أن تكون على استعداد ٍ كاف ٍ لتلافي حدوث مثل هذه الكوارث أو لتخفيف حدة الاضرار الناجمة عنها الى أقل حد ممكن، فلم يمنع الاستعداد العالي والمعرفة المحيطة لدولة متقدمة كاليابان من حدوث كارثة نووية وبرغم التجارب السابقة لدول أخرى مثل أوكرانيا، ولم يمنع الاستعداد بعد عملية 11 أيلول من حدوث أخرى في بوسطن عام 2013.
أما مايميز هذين الصنفين عن بعضعهما فان الكوارث الطبيعية عادة – وربما دائما ً –ما تكون ذوات أثرين متباينين، الاول آني ومعاصر لحدوثها ذو طابع سلبي يتضمن الضرر والتلف و أحيانا ً يكون كاسحا ً ومدمرا ً وخصوصا ً في المنطقة الجغرافية المؤثر فيها. والاثر الثاني بعيد المدى ذو طابع أيجابي يتضمن فوائد قد تكون غير منظورة ويتجاوز في أثره حدود المنطقة الجغرافية الى عموم النظام الايكولوجي الاشمل مما يعيد الى الطبيعة توازنها، وعادة ما يعتبره بعض الباحثين رد فعل للطبيعة في مقابل التغيرات القسرية التي تطرأ عليها. من الامثلة على ذلك بركان آيسلاند الذي أندلع في 2010 وأحدث أضرارا ً آنية مادية وبشرية في آيسلاند وأضرارا ً أخرى تعدت رقعته الجغرافية بسبب أنتشار السحب السوداء الكثيفة والتي عطلت الاف الرحلات الجوية في عدد من الدول المجاورة، غير أن البحوث تشير الى بعض الاثار الايجابية التي يتركها البركان على البيئة على المدى البعيد مثل خفض وتوزيع درجة حرارة الارض ونشر بعض المعادن اللازمة لخصوبة البحر.
وفي المقابل فأن الكوارث المصطنعة وبالذات التي يتعمدها الانسان لاتترك سوى أثار سلبية على المجتمع وعلى المدينة وعلى البيئة عموما ً، فبالرغم من الجهود الجبارة التي بذلتها اليابان لتلافي آثار كارثتي هيروشيما وناغازاكي النوويتين فما زالت تعاني هاتان المدينتان من صعوبة الزراعة فيهما ومن الاثار الجينية المنحرفة. ومازالت تعاني منطقة حوض البلطيق من بقايا المواد الكيمياوية السامة لكارثة شرنوبل ومازالت الهيئات الدولية تحذر من تناول الاسماك الناشئة فيها لاحتوائها على هذه المواد.
وليس من الصعب معرفة وأدراك الاثار السلبية التي تتركها الكوارث اليومية التي تعقب الانفجارات التي تشهدها معظم مدن العراق منذ عشرة أعوام. وهل سيدرك منفذوها وممولوها مالها من أضرار بالغة على الانسان وعلى هيكل المدينة بصورة عامة وعلى البيئة والنظام البيئي Ecosystem ومدى توازنه؟ فبغض النظر عن الاضرار البشرية المباشرة فأن لها آثارا ً سلبية أخرى بعضها ظاهر وبعضها خفي، فأنها تلغي أهم علاقات الانسان بمدينته كالاحساس بالامان Security والاطمئنان Safety والراحة Comfortوتقطع تواصله مع المكان Place Attachment وتجعله أقل شعورا ً بالمسؤولية تجاهه Irresponsibility.وتحجم الاستعمال الامثل للمدينة من ناحيتي المكان والزمان، كما أنها توجد عددا ً من التناقضات التي تعارض الاهداف التخطيطية الطبيعية والعفوية التي وضع وبني هيكل المدينة من أجلها، فتتحول الاماكن العامةCommon Places الى أماكن مهجورة ومنبوذة Abandoned & Neglected على العكس تماما ً من الغرض الاساسي لها كالساحات العامة والاسواق والمتنزهات لانها تصبح أهدافا ً أولى لتلك الاغراض التدميرية، ويتحول مركز المدينة والذي من المفترض أن يكون أكثر قطاعات المدينة حيوية الى بؤرة غير مرغوب فيها والى نقطة فاقدة للحياة وخصوصا ً في الليل والساعات المتأخرة من النهار، كما انها تساهم في تجزئة وتقطيع المدينة الى قطاعات منعزلة عن بعضها قد تتحكم في تحديدها عوامل أخرى هي مرفوضة أساسا ً كالاتجاهات السياسية والطائفية، وهذه كلها تؤدي الى أن المدينة تنمو بشكل مَرَضي قد تستمر آثاره الى أمد طويل مكلفة المدينة أموالا ً وجهودا ً طائلة ومعيقة لتطورها الطبيعي الصحيح. يكفي مشاهدة العوارض الكونكريتية القبيحة التي كانت ومازالت تفصل بعض أحياء بغداد عن بعضها الاخر والاموال الطائلة التي صُرفت من اجل أقامتها والاموال التي ستصرف من أجل أزالتها، بالاضافة الى الاضرار الكثيرة الاخرى في تقسيم وتجزئة المدينة وأشاعة العزلة بين هذه الاحياء لمعرفة بعض الاضرار التي تسببها هذه الكوارث التي نصطنعها بأيادينا.
قد يرى البعض أن هذه المعالجات هي الوسائل اللازمة للتعامل مع مثل هذه الكوارث، ولكن للتخطيط الحضري وسائله الاخرى التي يهيئ بها المدينة مسبقا ً دون اللجوء الى هذه الحلول المفتعلة والتي هي في ذاتها مشاكل مضافة الى مسبباتها، وتشكل المناطق الخضراء وبنسب معقولة والاحزمة الخضراء الفاصلة وسائل وحلول مرنة قابلة للاستخدام بشكل فاعل في هيكل المدينة العام بالاضافة الى المنافع الاخرى التي تحملها معها وبالاخص في مساهمتها في تحسين البيئة.
هناك من المدن من حاولت تجاوز هذه الكوارث المصطنعة وطمس النتائج السلبية لها للنهوض بطاقة جديدة فقد تحول الحريق الاكبر في تأريخ لندن عام 1666 الى نقطة تأريخية لاعادة أعمار المدينة بشكل شبه شامل منح المخطط والمعمار كرستوفر رين ( 1632-1723 ) فرصة تأريخية لطرح أفكاره التخطيطية.
وبالاضافة الى صنفي الكوارث المذكورين هناك صنف ثالث بدأ يظهر بوضوح في القرنين الاخيرين ظاهره مماثل للكوارث الطبيعية ولكن للانسان اليد الطولى في صناعته في شكل ظواهر Phenomenon نجمت عن استخدام الانسان المفرط للطبيعة ومصادر الطاقة فيها دون مراعاة للقوانين التي تحفظ توازن البيئة فيها، كمخلفات الاحتباس الحراري Green House Effect والاضرار التي تعرضت لها طبقة الاوزون والاختلافات القلقة في درجات الحرارة بين منطقة وأخرى والتصحرDesertification والفيضانات الغير متوقعة الى حد يعتقد معه البعض أن كل ذلك قد يسبب حدوث عصر جليدي جديد قد تغمر فيه المياه دولا ً بأكملها كدول شمال أوربا، وهبوب العواصف الترابية المتكرر والذي يمثل الان أحد أشد الكوارث التي تتعرض لها أغلب مدن العراق ومالها من تأثيرات سيئة على طبيعة الحياة ونظافة المدينة وصلاحية البيئة والطبيعة المحيطة وعلى صحة أفراد المجتمع عموما ً وبالخصوص الضعفاء منهم كالاطفال وكبار السن. فما هي الاستعدادات التي تملكها مدن العراق لمواجهة مثل هذه الكوارث؟
ولاتتمثل هذه الاستعدادات فقط في وجود أحزمة خضراء Green Belts لايقاف أو تخفيف هذه العواصف، ولكن في أستعدادات أخرى كثيرة مثل طبيعة النسيج الحضري Urban Pattern الذي يحفظ للمدينة مناخها الخاص Macro Climate والمعالجات المعمارية المناسبة لتحفظ لوحدات المدينة مناخها الاكثر خصوصية Micro Climate ، والتوجيه المناسب Orientation لوحدات المدينة لتخفيف هذه الاضرار، والتكافل بين أجزاء المدينة وأجزاء المبنى الواحد – على سبيل المثال ان النظام العضوي في المدينة القديمة يخلق هذا المناخ Macro ويخلق الفناء الوسطي للبيت التقليدي المناخ الاخص Micro ويساهم المدخل المنكسر للبيت في منع النفوذ المباشر للرياح وللغبار، كما تساهم المساحات المائية غير الآسنة في تخفيف حدة هذه العوامل المناخية بشكل فعال احيانا ً - . أستطاع المعمار الالماني والتر غروبيوس من خلال التوازن بين المساحات المفتوحة الخضراء والمائية خفض درجة الحرارة في جامعة بغداد في الجادرية حوالي 3-4 درجات وهو فرق مؤثر نسبيا ً.
أن استحالة وصعوبة الحياة داخل الوحدات السكنية في داخل المدينة هي أشارة واضحة الى عجز المدينة عن التصدي للتحديات الصعبة التي تواجهها أذ يتساوى الاداء الوظيفي للوحدة السكنية هذه مع خيمة بدوية قابعة في وسط الصحراء.
كما أن ما يحدث من أختناقات مرورية قاتلة أثناء حدوث بعض الاعمال التخريبية في مدننا في العراق يعطي أشارة واضحة الى النقص الفاضح في عدم أستعداد هذه المدن للتعامل مع مثل هذه اللحظات الحرجة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

واشنطن تحذر بغداد من التحول الى "ممر" بين ايران ولبنان

تقرير أمريكي: داعش ما زال موجوداً لكنه ضعيف

انتخابات برلمان الاقليم..حل للازمات ام فصل جديد من فصولها؟

صورة اليوم

المباشرة بتطبيق الزيادة في رواتب العمال المتقاعدين

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

باليت 42 بدايات عام جديد

السُّخرية السريالية ودلالة الأيقون في أعمال الفنان مؤيد محسن

المصرف الزراعي في السنك: بزوغ الحداثة المعمارية العراقية

عمارة تلد مسابقة!

دار هديب الحاج حمود.. السكن رمزاً للانتماء

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram