على الصفحة الأولى من معظم صحف العالم خلال الأيام الماضية، نشرت صورة أوباما وهو يصافح " جيم كومي " المدير الجديد لمكتب التحقيقات الفيدرالي " إف بى آي " وهو واحد من أرفع وأهم المناصب الأمنية في أميركا.. وأتمنى عليك عزيزي القارئ أن تعرف أن السيد كومي ينتمي إلى الحزب المنافس لأوباما " الحزب الجمهوري ".. وانه فعل الكثير لمنع أوباما من الفوز بولاية ثانية.. وكان من اكبر الداعمين للمرشح المنافس " جون ماكين ".. بل ذهب الأمر بالمدعو كومي إن طالب الأمريكان مقاطعة أوباما لأنه من أصول غير أمريكية.. وتخويفهم من جذوره الإسلامية.. لكن هذه الأمور لم تدفع أوباما لاتهام خصومه بانهم ينفذون أجندة أجنبية، وانه يتامرون على استقرار البلاد.. بالعكس دفعته لان يرشح " كومي " لان يتولى اخطر منصب امني في واشنطن
فوز أوباما في دورتين انتخابيتين لم يجعله يعتقد أن البلاد ملكا للحزب الديمقراطي، وبالتالي فمن حقه بموجب صناديق الاقتراع، أن يتجاهل معايير الكفاءة وأن يكون الانتماء الحزبي، وحده هو المعيار في اختيار مسؤولي الدولة.. وان لا تذهب " عيونه " بعيدا عن أعضاء حزبه أو المقربين منه، لكن أوباما، يؤمن أن الديمقراطية هي وسيلة أداة لبلوغ الحكم وليست غاية للاستيلاء على مؤسسات الدولة، وان هذا الحكم مهما كان عدد صناديق الاقتراع التي رشحته، هو حكم قابل للمحاسبة والمراجعة، ولا يعني أن الانتخابات منحت الحاكم صكا على بياض وغير مشروط لإدارة البلاد.. فميزان الكفاءة اكثر ثقلا من كفة المحسوبية والحزبية. ولهذا لا داعي لان نستغرب عندما يصر أوباما على ترشيح كومي او انه يطلب من منافسه الشرس " ماكين " القيام بمهام دبلوماسية خارج الحدود. او ان يلجأ الى أعضاء في الحزب الجمهوري لشرح وجهة نظر أمريكا من أحداث سوريا. لان هؤلاء بمعيار الكفاءة الذي يحترمه أوباما اجدر بهذه المهام.
في أميركا " الإمبريالية " هناك مسؤول يسعى لترسيخ الديمقراطية بمفهومها الواسع من خلال خطوات ابرزها: أولا احترام التفويض الذي منحه الشعب للمسؤول، ثانيا حماية حقوق من لم يساعدهم الصندوق في الحصول على مراكز المسؤولية، ثالثا ان تكون الكفاءة هي المعيار الأول في إدارة مؤسسات الدولة.. رابعا وهذا هو المهم ان الدولة وقيمها اهم واغلى من الانتماءات الحزبية والطائفية والدينية.
تعلمنا تجارب الشعوب الحيّة أن أول شروط تحمل المسؤولية هي النزاهة، لا الجشع. وأهم أحكامها الترفع لا الاستعلاء، النزاهة فعل إيمان بالوطن والإنسان، ليس لها مقربون وحاشية يفسرون ويجتهدون ليحولوا الحقائق الى أباطيل، وهي تبقى صفة لمن يحافظ عليها كفرض وواجب، لا كدعاية انتخابية.. النزاهة لا تقبل الاستثناءات ولا الخطأ. انها شيء مطلق. لا يكون المرء شبه نزيه، او نصف نزيه. أما انه رجل نزيه وأما مثل سواه ممن يؤمنون بان المنصب ارثٌ شرعيّ نورثه للذين من بعدنا
وقبل ان نبحث عن معان للنزاهة والكفاءة في القواميس، علينا ان نعرف ان الشعارات، لا تخلق حكام نزيهين.. لقد تدرب هذا الشعب المسكين على تلقي ما يُرمى اليه من خطب وبيانات عن التطور والازدهار، وكفاءة المسؤولين ومثابرتهم.. ووجدنا من يكتب معلقات في مديح وورع وتقوى حكامنا وتواضعهم، وانهم يؤدون الطقوس والشرائع.. ولكننا لم نجد أحدا منهم يؤمن بكفاءة الذي يختلف معه سياسيا وعقائديا.. بل ان الكفاءة والنزاهة استبدلت بالعشيرة والطائفة والنسب.
في بلادنا التي لا تملك من الديمقراطية الا قشورها، يحتاج الأمر إلى قادة يؤمنون بالكفاءة والنزاهة قولا وفعلا، فيلهمون الناس هذه المعاني حتى تستقر في المجتمع، قادة يملكون موهبة التواصل مع الجميع، يؤمنون بالآخر حتى لو اختلف معهم، يديرون الاختلافات دون تكفير وتخوين، لا ينغلقون في أحزابهم وجماعاتهم وأقاربهم، ولا يختزلون الوطن والمواطنين في المقربين من مكتب رئيس مجلس الوزراء.
مسؤولون لديهم القدرة على إدارة البلاد، وصياغة رؤية واضحة ومفهومة للدولة لا تتغير بتغير الولاءات، قادة يملكون قدرا كافيا من المعرفة والكفاءة والنزاهة والصدق.
النزاهة والكفاءة هي غاية الديمقراطية. ربما لا تختار صناديق الاقتراع اكفأ الناس، لكن المهم أن تختار أناساً نزيهين لا يكذبون.. لديهم مهمة جليلة وهي البحث عن الكفاءات...لا مطاردة أصحاب الكفاءة وتشريدهم برفع سيف الاجتثاث والتخوين في وجوههم.
والان هل يسالني احد لماذا تحب ديمقراطية أوباما.. وتكره محفوظات " زعاطيط السياسة "؟؟
سنة عاشرة ديمقراطية
[post-views]
نشر في: 28 يونيو, 2013: 10:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...