تتسارع وتيرة الصراع السياسي في مصر، حتى تكاد أن تضع الدولة ومصائر شعبها، على مفترق طرق أيسرها مفتوح على حرائق وانحدارٍ نحو مواجهاتٍ دموية وتصفياتٍ على هوية رفض الأخونة وتبليد المجتمع.
وقد دل على هذا الاحتمال الخطاب التعسفي للرئيس الإخواني محمد مرسي، غير المنسجم مع لياقات خطاب رئاسي لدولة عميقة تسبر أغوارها في عمق التاريخ والحضارة الإنسانية. كما يؤكد ذلك سلوك وتهديدات قيادة الإخوان ومجاميع التيارات السلفية والتكفيرية التي صارت مصر حاضنة دافئة متبجحة لها، دون استثناء فلول القاعدة ورموزها وما ارتكبته حتى ضد الشعب المصري في الفترات السابقة.
وفي سلوك موازٍ، تأتي سياسات اردوغان في تركيا، وجماعات الإسلام السياسي في كل من ليبيا وتونس، دون ان تشذ عن القاعدة، سوى في التفاصيل، الطبقة السياسية الإسلاموية في العراق.
إن ما يجمع هؤلاء، من معشر مغتصبي الإسلام السمح، والانحراف به إلى أدران السياسة المخاتلة، هو فضيحة تخليهم في السياسة وتدابيرها العملية، عن كل القيم الإسلامية، وولوجهم في نهجٍ لا يختلف من حيث الجوهر عمّا تفعله الأنظمة الاستبدادية والطغاة، من نهب وسلب وتعديات ومصادرة للحقوق والحريات واغتصاب للدولة والعمل على إعادة صياغتها وفقاً لقيمهم ومصالحهم، وهي أمور بعيدة عن قيم الإسلام التي تجافي مثل هذا النهج.
كما أن الأحداث تثبت ان نوايا هذه الجماعات تتناقض مع ادعاءاتها باعتماد الديمقراطية كسلوك في تداول السلطة بشكل سلمي والركون إلى إرادة الشعب، فهي انقلبت على هذا الادعاء بمجرد وصولها إلى سلطة الحكم.
وتواجه البلاد التي قادتها الحظوظ العاثرة إلى أحضان أمراء الإسلام السياسي، تمزقات مجتمعية وسياسية ومذهبية، وعصبياتٍ فرعية على عدد الهويات الفرعية التي تتكون منها كل دولة، وهي انقسامات تكاد ان تمزق نسيجها الوطني، وتفكك الأواصر التاريخية التي تجمع بين مكوناتها، إن لم تدفع في لحظة عسرٍ سياسي، إلى إعادة رسم حدودها.
ويخطئ من يظن أن هذه الطُغَم، من بقايا التاريخ المجبولة على كل صيغ الوحشية وانعدام السٍّوية الإنسانية، فضحتها وحسب، أخطاؤها السياسية وتنكرها للعهود الانتخابية والبرامج المفبركة، فالسبب الرئيس في عزلتها المبكرة، حيث لم يمضِ سوى عام على حكم المرشد الإخواني في مصر، يكمن في افتضاح تعارض سلوكها وممارساتها مع الدين الإسلامي نفسه. فالجمهرة الواسعة من المواطنين في مصر وسواها، قد تصبر على الخديعة السياسية التي تطعمها لها، أمراء الإسلام السياسي والطائفية المارقة، لكنها لا تستطيع صبراً وقبولاً بتشويه دينها والقيم السماوية الرحيمة التي يتلفع بها هؤلاء زوراً وبهتاناً.
فهل يمكن التعويل على النهوض الجماهيري الذي يجتاح مصر ويتوعد سلمياً بفرض إرادته على فرعونها، عبر مظاهرات الثلاثين من هذا الشهر..؟
وهل يمكن لهذه التجربة الديمقراطية الواعدة، ان تلهمنا لمحاصرة مدعي الإسلام، من اللصوص والقتلة والمرابين؟
وهل لها أن تؤشر لمرحلة أفول سطوة الإسلام السياسي، وأمرائه الذين يتسببون يومياً في اغتيال الدين الإسلامي وتشويه قيمه ورسالته الإنسانية..؟
وهل نحن امام مشهد سينتهي بانطفاء لوهج التشدد الذي جاء به الاسلام السياسي، بعد صعوده الذي كلف الدين وأهله، قبل غيرهم، الكثير؟
صعود وانطفاء وهج الاسلام السياسي
[post-views]
نشر في: 28 يونيو, 2013: 10:01 م