ها نحن ننتقل الى الفصل (او البند) ٦ من ميثاق المنظمة الدولية، اثر خروجنا من البند ٧. ولانزال على أية حال عالقين في بنود "النزاعات" والفصول ٥ و٦ و٧ مختصة بمعالجة الأمن والسلم الدوليين. ومع ذلك يحق لكثير من العراقيين ما عبروا عنه من فرح بانتهاء إقامتنا الطويلة تحت فصل الوصاية الدولية الذي يخول الدول الكبرى استخدام القوة معنا وعزلنا بشكل شبه كامل عن العالم. لكن أين الدرس الذي نحتاج ان نوليه اهتماما كبيرا داخل سجالاتنا الوطنية؟ومقابل العراقيين الذين يشعرون بالسعادة لأننا تقدمنا خطوة مهمة نأمل ان تنتهي بخروجنا نهائيا من بنود الصراع والنزاع في ميثاق الأمم المتحدة، هناك عراقيون يشعرون بالقلق. هؤلاء يسألون: هل سنخرج الى الأبد من بند الوصاية والعزلة والعقوبات هذا؟ أم ان العقل السياسي العراقي سيظل مرتهنا بهذا البند وقد يرتكب المزيد من الحماقات التي تجعلنا لا سمح الله نعود دولة معزولة ومحاصرة وتتعرض للعقوبات؟ ان هذا قلق مشروع ولا شك.من حقنا ان نفرح آملين ان نحصل على فيزا سهلة لمنطقة الاتحاد الأوروبي، وأن يسمح مجلس الأمن لكل البلدان والمنظمات بالتصرف معنا كبشر طبيعيين ومسالمين خارج الوصاية. لكن الأمر يتطلب ان نستعيد معنى "السيادة الوطنية" الذي تجسد أمام أعيننا بمجرد انسحاب أميركا، لنتذكر ان الوصاية المناقضة للسيادة، تؤشر قصورا في الموصى عليه. وأن السيادة واستعادة الوضع الطبيعي وثيقة او شهادة يصدرها المختص (او القوي) تثبت ان القاصر تعافى من نقصه. إننا نمسك بأيدينا اليوم وثيقة مشابهة، لكننا مثل مريض يخرج من العيادة وهو لا يشعر بالتحسن المطلوب، رغم ان الطبيب يحرص على تشجيعه ودفعه للتعافي وترديد انه شفي.لقد كانت استعادة السيادة في آخر أسبوع من عام ٢٠١١ وحين غادر الجندي الأميركي الأخير، بداية لاختلال عاطفي لدى الفريق السياسي والعسكري المحيط برئيس مجلس الوزراء، ورأينا الثمن الذي دفعه كل العراقيين لذلك الاختلال النفسي الذي انتج قرارات متسرعة وارتجالية وخطاب حرب ندم عليه أصحابه بالتأكيد، ونتمنى انهم سيتعلمون منه الدرس الذي يخدمنا جميعا.ولا نريد في هذه اللحظة ومع تحقق المكسب الدبلوماسي حتى لو كان مكسبا ناقصا، اكثر من إعادة قراءة الدرس جيدا، والتأمل في تلك الحماقات السياسية التي وضعتنا طيلة ٢٣ سنة في بند النزاع والعقوبات. وهي تعني ان العراق ضاع منه ربع قرن وهو معزول، وعليه ان يسابق الزمن ليعوض عزلته الطويلة تلك، ويتذكر كل يوم كيف تدير الدول المسؤولة علاقاتها بنحو مسالم وصحيح. وكيف يحذر رجال الدولة الأسوياء من التورط مع "محاور الشر" في الملفات الخطيرة التي نخشى في لحظة ان تتحول الى منزلق جديد يقحمنا في نزاع دولي آخر.لقد ولد الكثير من العراقيين داخل البند السابع هذا. ورحل الكثير منهم داخلهم. وهذا الفصل من الميثاق الأممي ليس مجرد ورقة واحدة بخمس فقرات، بل هو زمن عراقي صعب ومؤلم. الخروج من هذا الزمن لا يعني سوى أننا انتقلنا الى زمن اصعب، وهذه الحقيقة هي التي تفسد علينا الفرح، وتطلب منا صبرا اكثر بأمل خطوة جريئة نحو الإصلاح السياسي عام ٢٠١٤.ولو كنت نحاتا لصنعت تمثالا للبند السابع هذا ووضعت نسخة منه في كل بلدة عراقية، لنتذكر ما يمكن ان تجره الحماقة على صاحبها، ولنقشت عليه بخط الثلث ذي الملامح السلطانية الفخمة ولكن القاسية ايضا، سؤال كل الموتى العراقيين: هل كان الأمر يستحق؟ قبل بضع ليال كنت برفقة شباب ايرانيين يزورون اربيل للتجارة، وكنا نتحدث عن قلقهم حيال العقوبات المفروضة على بلادهم. احدهم بدا خبيرا في جدل ايران السياسي، وراح يهتم بأخبار تقول ان أمام الرئيس الجديد حسن روحاني شهرا ليتسلم مهامه، لكن الصحافة ذكرت ان فريق المرشد قام بتسليم الملف النووي مبكرا لروحاني، على طريقة "خذه وانقذ ما يمكن إنقاذه". ايضا فان يوشكا فيشر وزير خارجية ألمانيا السابق كتب مقالا عن الذكرى العاشرة لأول مفاوضات نووية بين ايران والغرب، واستذكر لقاءه الأول بروحاني، وتمنى ان يسارع الى بذل جهد وإبداء مرونة كي لا يظهر في الشرق الاوسط "عراق آخر" وتصبح ايران تحت وصاية مشابهة فلدى العالم من المشاكل ما يكفي هذه اللحظة.هنأني الايرانيون بانتقال العراق الى الفصل السادس (الأقل وطأة) وتمنيت لهم عدم تجربة الفصل السابع، لكننا كنا نفهم اكثر من كل شباب المنطقة، حكمة "أموات الفصل السابع" وما يعنيه درس الحرب ومخرجات الحمق، ونعرف الصوت الحزين للجيوش المهزومة. ونؤمن بأن "الأمر لم يكن يستحق هذا". اما خوفنا المشترك فهو ان يظل صعبا على صانعي السياسات، الانتباه لسهولة هذه الحكمة.
حكمة الميتين في الفصل ٧
[post-views]
نشر في: 29 يونيو, 2013: 10:01 م